بازگشت

الادب و روح المسؤولية في خطابات الحسين لجيش ابن زياد


كان خطابه لجيش ابن زياد، شأنه شأنه خطابه لأصحاب الحر، يتسم بأعلي قدر من الأدب و روح المسؤولية:

(حمدالله و أثني عليه، و ذكر الله بما هو أهله، و صلي علي النبي محمد، و علي الملائكة و الأنبياء، فذكر من ذلك ما لا يحصي ذكره، و لم يسمع قبله و لا بعده أبلغ منه في منطقه). [1] .


لم يكن يستعرض بيانه و بلاغته أمامهم لمجرد الرغبة في ذلك، و كان له لو أراد مجرد ذلك في وضعه ذاك شغلا شاغلا عن الخطابة و البيان، فهو قد استعد للموت، و أدرك أنه ملاقيه بعد لحظات، و أن هؤلاء الذي تجمعوا لحربه و قتاله قد لا يعون كلامه، غير أنهم قد يتدبرون ذلك الكلام فيما بعد و يعونه.

و قد أراد بخطبته التي بدأها بحمدالله و الثناء عليه، و ذكر الله بما هو أهله، أن يريهم بطريقة مؤدبة رفيقة أن الله هو حقا من ينبغي التوجه اليه بالحمد و الثناء لا الطواغيت اليت كانت تسخرهم و تسيرهم علي هواها و كيفما شاءت.

كان يريد اعادتهم الي واقع الاسلام و حياة الاسلام التي ترفض العبودية لغير الله، و لم يكن يريد تخليص نفسه منهم بقدر ما كان يريد تخليصهم هم من أعدائهم، الذين تسللوا الي مركز القيادة و الحكم، فهم الذين كانوا بحاجة شديدة اليه في تلك اللحظات الحرجة التي أوشكوا فيها علي ارتكاب جريمتهم بحق الاسلام و بحق جميع المسلمين، و لم يكن هو بحاجة شديدة اليهم لكي يخلصوه من الموت الذي استعد له منذ وقت طويل، و أكمل استعداداته له قبل أن يواجههم هذه المواجهة الأخيرة، و يطلب منهم نبذ الظالمين و التخلص منهم و العودة الي الاسلام.

كان الحسين عليه السلام في كل خطبه و بياناته و كتبه يشير الي ذلك الذي ينبغي أن تتوجه اليه القلوب و الأبصار و هو الله جل و علا ليخلصها من مشهد الطواغيت و الفراعنة الذين بدأوا يتسلقون ثانية علي أكتاف الناس، و يتسلطون عليهم و يتلاعبون بمصائرهم و مقدراتهم،

و كان حريا بمن استمعوا اليه أن يعوا كلماته و يفهموها علي وجهها الصحيح، لا أن يستمعوا لوجيب قلوبهم الضعيفة المستسلمة و أعوان الطواغيت الذين انتشروا بينهم و حرضوهم علي قتل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و قائدهم الحقيقي و أشد الناس محبة لهم و حرصا عليهم و علي مستقبلهم و مستقبل أبنائهم و ذريتهم فيما بعد.

لم يتقدم اليهم الحسين عليه السلام ملوحا بالعصا و المال يبذله لهم بغير حساب ان هو تسلم السلطة، و انما تقدم اليهم بالاسلام، كثروة دائمية لا تنضب و لا تستهلك.

و اذا لم يفهم أولئك خطاب الحسين عليه السلام و لم يجدوا في أنفسهم الجرأة علي استيعابه، فان أجيالا أخري لابد أن تفهم ذلك الخطاب و أن تعي كل كلمة منه، و تواصل بناء علي ذلك مسيرته التي بدأها في كربلاء و لا تزال مستمرة الي يومنا هذا.



پاورقي

[1] الطبري 313 / 3، و ابن‏الأثير 287 / 3، و الارشاد 247، و جمهرة خطب العرب 44 / 2.