بازگشت

حزن الحسين النبيل علي مقتل أصحابه


كان حزن الحسين علي مقتل أصحابه كبيرا، و لعل الشي ء الوحيد الذي يخفف من ذلك الحزن هو يقينه أنه سيكون في الأثر و سيلحق بهم عما قليل.

و لعل الحزن النبيل الذي استدر الدموع من عينيه عند مصرع أخيه العباس كان أشد وقعا من أي حزن آخر ألم به، و لعله يستعرض في ذهنه صورة الأم التي رعته بعد وفاة أمه الزهراء، أكثر من رعايتها لأولادها الذين يستشهدون الآن بين يديه، و يقدمون أنفسهم فداء له و للاسلام، والتي ستحزن لفقدهم جميعا، و ستبكي عليه ربما أكثر من بكائها علي أولادها.

لقد انحني عليه بعيد قتله و جعل يقبل موضع السيوف من وجهه و نحره و صدره و هو يبكي، فقد كانت مصيبته به فادحة، اذ كان يعول عليه كثيرا في كشف الأعداء وردهم عند اشتداد القتال و كان آخر من قتل من أهل بيته، و لأنه كان قبل كل شي ء من خيار أكابر علماء أمة محمد المخلصين، كان أمره مع جميع أصحابه واحدا، كان يبكي عليهم و يمسح التراب و الدم عن وجوههم و يحتسبهم الي الله و قد استشهدوا في سبيله، فكأن كل واحد منهم في مقام ابنه علي الأكبر، الذي ألبسه لامة الحرب بيده و أركبه فرسه و قدمه لمقاتلة أعداء الله و أعداء الاسلام، و الذي استشهد بعد قتال شديد معهم.

و كان بكاء النساء علي أهل بيتهن مبعث حزن كبير للحسين، اذ أصبح ينظر اليهن منذ الآن و قد أصبحن وحيدات بمواجهة جيش ضار لا يتحرج من ارتكاب أشد


الآثام و الجرائم، و يراهن و قد عدن الي بيوتهن بعد سفر مضن يتعرضن فيه لأشد المشاق و المتاعب، و يناجين حيطان أو حجار تلك البيوت التي لن تشهد أربابها و عمارها ثانية. مشهد النساء الثكالي المحزونات المكروبات بدأ يلوح أمامه قويا كلما سقط فرد من أهل بيته و أصحابه، و مع أنه لم ينل من عزمه علي مواجهة الأعداء، و المضي حتي النهاية و الاستشهاد في سبيل الاسلام، الا أنه كان يسبب له حزنا عميقا يستدر الدموع من عينيه و يجعله يهتف أحيانا بأسماء من فقدهم، و يناجي تلك الأسماء الحبيبة، و ينذر القتلة بما سيلقونه جراء اقترافهم تلك الجرائم المنكرة.

و لعل القاسم بن الحسن عليه السلام، و هو غلام لم يبلغ الحلم، هو الوحيد الذي تقدم اليه الحسين عليه السلام و اعتنقه و أخذا يبكيان معا عندما سمح له بالذهاب الي الميدان للقتال، و لعله كان يري فيه صورة أخيه الحسن عليه السلام، الذي قتل ظلما و غدرا علي يدي معاوية بعد أن دس له السم، و بعد أن تآمر علي نزع الخلافة عنه و صرفها عن آل البيت نهائيا.

ها هو ابنه يتقدم للدفاع عن عمه و عن الاسلام كما دافع هو من قبل عن أخيه، و وقف الي جانبه في مواقفه التي دافع فيها عن الاسلام، و قد (احتمله علي صدره، فجاء به الي الخيمة و ألقاء مع ولده علي و القتلي من أهل بيته). [1] .

لقد ناجاه و هو يجود بنفسه و يفحص برجليه:

(يعز و الله علي عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يعينك، أو يعينك فلا يغني عنك، بعدا لقوم قتلوك، هذا يوم كثر واتره و قل ناصره). [2] .


پاورقي

[1] الخوارزمي 28 / 2، و اللهوف 48، و الارشاد 245، و أبصار العين للسماوي ص 37، و ابن‏کثير 186 / 8، و النويري 456 / 20.

[2] الخوارزمي 28 / 2، و اللهوف 48، و الارشاد 254، و أبصار العين للسماوي ص 37، و ابن‏کثير 186 / 8، و النويري 456 / 20.