بازگشت

الحسين و صدق المعاملة


و تتجلي أخلاقه عليه السلام في صدق المعاملة مع الجميع، حتي مع أولئك الذين لم يكونوا معه، فالأخلاق بنظر الاسلام لا تتمثل بجميل القول و طلاقة الوجه و حسب، و انما يمتد الي صدق التعامل، فبذلك وحده يمكن التأثير في الناس و جذبهم الي جانب الاسلام و جعلهم يلتفتون اليه التفاتة واعية، و ذلك هو هدف الحسين عليه السلام في كل وقت من أوقات حياته و مسيرته، و ذلك هو الذي فعله عندما ورد اليه مقتل مسلم بن عقيل و هاني ء بن عروة و عبدالله بن بقطر، فقد وضع أصحابه و أهل بيته و من تبعه من الأعراب و غيرهم ممن اعتقدوا أنه سيقدم علي بلد قد استقامت له طاعة أهله، أما الوضع الحقيقي، فلم يخف عنهم حقيقة ذلك الوضع و انما أعطاهم الصورة الصحيحة له، قال لهم:

(قتل مسلم بن عقيل و هاني ء بن عروة و عبدالله بن بقطر، و قد خذلتنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف، ليس عليه حرج منا و لا ذمام.

فتفرق الناس عنه تفرقا، فأخذوا يمينا و شمالا، حتي بقي في أصحابه الذين جاؤوا معهم من المدينة. و انما فعل ذلك لأنه ظن أنما أتبعه الأعراب، لأنهم ظنوا أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه الا و هم يعلمون علام يقدمون، و قد علم أنهم اذا بين لهم لم يصحبه الا من يريد مواساته و الموت معه). [1] .

و ان الجمع الغفير الذي التحق به سيتراجع، بينما عزم هو علي المضي حتي النهاية، و علم أن الذين سيتبعونه هم الذين حملوا نظرته و أدركوا ضرورة ثورته و ضرورة الاستشهاد بين يديه.

و هنا نلفت النظر أن الحسين عليه السلام، و قد علم أنه مقبل علي الموت لا محالة، كان بامكانه الرجوع، اذ لم تكن قوات الحر قد وصلت اليه حتي تلك اللحظة، و مع


ذلك فانه لم يتراجع و لم يتوقع أن يتراجع أي أحد من أصحابه، و هو ما فعلوه تماما و مضوا معه الي كربلاء حيث ينتظرهم الجيش الكبير الذي أعده ابن زياد لقتلهم.

أما الجمع الغفير الذي التحق به طمعا و رجاء للمغانم و الفوز فانه تخلي عنه بعد أن أخبره الامام الحسين عليه السلام بطبيعة الوضع، و ما كان غير الحسين عليه السلام من القادة العاديين من يمكن أن يفعل فعله، و كانوا سيعمدون الي تجنيد الناس و اغرائهم بكل الوسائل المتاحة لملاقاة العدو، هذا اذا وجدوا في أنفسهم الشجاعة لملاقاته أصلا، و من هنا يتجلي لنا صدق التعامل حتي مع أولئك الذين قد يكونون من أعدائه.


پاورقي

[1] الطبري 303 / 3، و ابن‏الأثير 278 / 3، و أعيان الشيعة 187 / 4، و تاريخ أبي‏الفداء 301 / 1، و تاريخ الاسلام للذهبي 345 / 20، و الارشاد 215، و النويري 415 / 20، و ابن‏کثير 168 / 8، و البلاذري 169 / 3.