بازگشت

الحسين يجسد عدالة الاسلام


و تلفت حادثة بسيطة نظر من يدرس أخلاق الحسين عليه السلام الفريدة، و سلوكه القدوة الي خاصية لم يمتز بها الا من كانوا علي شاكلته، و بالتحديد آل البيت. فقد علمنا أنه رفض بيعة يزيد و أعلن عزمه علي مقاومته، و تزعم كل من يعارض حكمه، و سار الي الكوفة بناء علي دعوة أهلها، و لأنها المكان الوحيد الذي يمكن يقف بوجهه، و قد كان في حالة حرب اذا معه، و كانت تلك الحالة تجيز التعرض له بكل الوسائل المناسبة.

(أقبل حتي مر بالتنعيم، فلقي بها عيرا قد أقبل بها من اليمن، بعث بها بحير بن ريان الحميري الي يزيد بن معاوية و كان عامله علي اليمن و علي العير الورس و الحلل


ينطلق بها الي يزيد، فأخذها الحسين، فانطلق بها، ثم قال لأصحاب الابل: لا أكرهكم، من أحب أن يمضي معنا الي العراق أوفينا كراءه و أحسنا صحبته، و من أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء علي قدر ما قطع من الأرض، فمن فارقه منهم حوسب فأوفي حقه، و من مضي منهم معه أعطاه كراءه و كساه). [1] .

ففي الوقت الذي وجد فيه نفسه مخولا بالتصرف بالأموال التي بعث بها الي يزيد و هي أموال المسلمين، و هو قد رفض يزيد باعتباره خليفة لهم، نري أنه لم يجوز لنفسه صرف أصحاب الابل المأجورين دون أن يخيرهم بالبقاء معه أو الرحيل و دون أن يدفع لمن يغادره أجرته و حقه، رغم أنهم ربما لم يطالبوه بالأجور، و بالتأكيد فأنه لو أراد الامتناع عن دفعها لما وجدوا في أنفسهم القوة اللازمة لمطالبته أو اجباره علي ذلك.

كان يتصرف بعدالة الاسلام التي لا تبيح الأعتداء علي أحد مهما كان ضعيفا، و كان يضرب مثلا حسنا لكل حاكم بحسن التصرف و العدالة.

فالمعركة هنا ليست بين حاكمين يبيحان لأنفسهما اللجوء الي نفس الأساليب التي يستعملها كل واحد منهما، و ليست معركة قوة و غلبة علي الطريقة الهرقلية، و طريقة اللجوء الي كل الوسائل للفوز و التغلب علي الخصم.

فهو هنا يتحدي يزيدا و يستعيد منه ما أوشك أن يأخذه دون وجه حق رغم قوة يزيد غير أنه يري أن لأصحاب الابل حق يجب أن يعطوه رغم ضعفهم.


پاورقي

[1] الطبري 296 / 3، و ابن‏الأثير 276 / 3، و الخوارزمي 220 / 1، و النويري 410 / 2، و البلاذري 164 / 3، و ابن‏کثير 166 / 8، و ابن‏طاووس 28، و ابن‏نما 21، و السيد بحر العلوم في الرجال 48 / 4.