بازگشت

مدخل


كان تعامل الحسين عليه السلام مع آل بيته و أصحابه، و أعدائه أيضا يعكس أخلاق الانسان الرسالي الكبير الذي ولد و ترعرع في بيت النبوة، ذلك البيت الذي اختصه الله بأمور لم يختص بها بيتا غيره، لقد أراده الله أن يكون البيت الذي تتطلع اليه الأمة دائما عبر مسيرتها الطويلة ليكون قدوة دائمة.

و لسنا بحاجة هنا الي تكرار ما تحدثنا عنه من قبل بشأن النخبة التي ضمها، و كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي رأسها و في مقدمتها، و حسبنا اشادة الله جل و علا بها و بيانه الواضح في القرآن الكريم.

و اذا أراد الله أن تكون أخلاق هذه الصفوة قدوة دائما للناس علي مر العصور، فانه جعل في كل جانب من جوانب سلوكها و تصرفاتها مصدر اشعاع و رفد دائمي لأخلاق الاسلام و تربيته التي أرادها أن تستوعب الحياة بكل متغيراتها، و تنسجم معها و تطورها الي آفاق الاسلام الواسعة، التي جعلته مؤهلا للبقاء دائما و قادرا علي قيادة البشرية و الأخذ بيدها الي ساحل الأمان و الخير و العدل.

فلا عجب ان رأينا ما رأينا من كل فرد من أفراد هذا البيت، فرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يتجسم في كل واحد منهم صورة ناطقة للاسلام، و لا عجب أن أصبحت سيرتهم ابتداء من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سنة أوجب الله اتباعها، و لا عجب أن عصمهم الله من الزلل و الخلل و أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، اذ كيف يكون قدوة دائمية من تجد الأخطاء اليه سبيلا.

و رغم محاولات الاعلام الأموي المضلل و الماكر و القوي و الذي كان يديره معاوية، عبقري الشر الذي ابتليت به الأمة الاسلامية، للتعتيم علي فضائل آل البيت


بل و ابرازهم علي أنهم ليسوا آل البيت أصلا، و أن آل البيت هم آل أبي سفيان، و الذهاب الي حد سب أميرالمؤمنين عليه السلام و الخروج عليه، و اظهار الحسين عليه السلام كمتلهف علي السلطة، و منافس غير مؤهل ليزيد، و انسان ينطلق من عقد الكراهية و البغض و الحسد، و صاحب رد فعل سريع غير مدروس و غير صحيح، و قد يذهب بتصرفاته الي حد التهور، و أنه هو الذي جني علي نفسه في النهاية بالخروج علي يزيد و الثورة عليه و رفضه، الي آخر ذلك من التخرصات و الأكاذيب و المزاعم، فان الحسين عليه السلام أثبت بسلوكه الرسالي و أخلاق رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم التي حملها معه دائما و التزم بها طيلة حياته و حتي آخر لحظة منها، أنه كان حقا ممثل الرسالة و الوريث الشرعي لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، حتي لكأنه كان الاسلام نفسه بكل قيمه و مبادئه العظيمة الخيرة..، حتي لقد اضطر عدوه اللدود نفسه، معاوية، أمام ابنه يزيد و جمع من أعوانه و مريديه عندما طلبوا منه الكتابة اليه للحط منه، أن يعترف بفضائله و قد أجابهم علي م و ربما بحرقة و ألم:

(و ما عسيت أن أعيب حسينا، و ما أري للعيب فيه موضعا). [1] .

علي أن معاوية، و الدولة الأموية فيما بعد ربما قد عمدت الي عرض موقف الحسين عليه السلام الصلب من بيعة يزيد علي أنه رد فعل غاضب و ربما مؤقت منه و ذهبت الي الادعاء بأنه كان يمتاز بذلك و يمتاز بالاندفاع و فورات الغضب المتكررة التي جعلت معاوية يصرح، و معاوية غير ممنوع من التصريح، بأنه لابد أن يذهب الي العراق و يتعرض للقتل هناك، و قد تخبط ناقلوا الخبر الأمويون و غيرهم من الرواة و المؤرخين فذكروا أنه أوصي يزيدا بالعفو عنه ان فعل ذلك و (خرج عليه)، كما ذكروا أنه أوصاه أن يولي ابن زياد الكوفة اذا ما قصدها الحسين عليه السلام، الخ تلك الروايات و القصص.

و ذكروا موقفا تعرض فيه الحسين عليه السلام ليزيد، و قال لمعاوية عندما قرضه و مدحه، و قال عنه بأنه خير منه:


(هذا هو الافك و الزور، يزيد شارب الخمر و مشتري اللهو خير مني). [2] .

كما ذكروا قصة زعموا فيها أن الحسين تعرض لقافلة كانت متوجهة من اليمن الي معاوية بالشام و أنه استولي عليها بدعوي أنها من الأموال العامة للمسلمين، التي استأثر بها معاوية لنفسه و عائلته، و أن معاوية قد سامحه علي ذلك و كتب اليه كتابا هينا رفيقا يعلمه فيه أنه كان سيعطيه كل ما طلب دون أن يلجأ الي ما لجأ اليه.

و كن الغرض من ذلك كما ذكرنا التشهير بالحسين عليه السلام، و عرضه كانسان منفعل عصبي المزاج يندفع لأدني تحريض أو أذي، حتي أنهم مقابل ذلك راحوا يعرضون يزيد كانسان حليم حساس تهمه مصالح المسلمين و لا يريد الحاق الأذي بأي أحد منهم، و أنه لم يكن ليلجأ اليه لولا موقف الحسين المعادي له، بل أنه لم يلجأ الي ما لجأ اليه أصلا و أن الذي قام بجريمة قتل الحسين هو ابن زياد، في كلام معد لتبرئة أنفسهم من تبعات الجريمة الكبيرة التي قام بها يزيد باعداد و تحريض مسبق من معاوية كما ذكرنا.

و اذ أن الأضواء قد سلطت علي الحسين عليه السلام بشكل لم يحدث من قبل، و اذ أن كل تحركاته و أقواله و أفعاله قد رصدت بعيد هلاك معاوية و استخلاف يزيد، فان تصرفه في تلك الفترة التي ترك فيها المدينة الي مكة ثم الي الكوفة تكشف لنا طبيعة أخلاقه المتفردة و التي تنسجم كل الانسجام مع طبيعة المهمة التي كان ينهض بها.

و تبين لنا أجوبته وردوده علي المحذرين و الناصحين له بعدم التوجه الي الكوفة جانبا من تلك الأخلاق العظيمة، فقد كان رفيقا متسامحا مع الجميع، و لم يواجه أي فرد منهم بأية كلمة خشنة، رغم علمه بانحياز بعضهم الي دولة الظلم، و لم يقل لأحد منهم أنك لا تريد نصيحتي، بل تريد الحفاظ علي الدولة التي تمدك بالأموال و المكاسب، و قد شكرهم و واجههم بلطف قائلا: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أمرني بأمر أنا ماض له، و أن هذه هي مشيئة الله و لابد من الاستجابة لها. فقد كان يري بذهابه للعراق فرصة وحيدة متبقية للحفاظ علي الاسلام و لفت نظر الأمة الضعيفة المستسلمة اي واقعها المزري في ظل الأوضاع الأموية الفاسدة.



پاورقي

[1] ابن‏قتيبة، الامامة و السياسة 182 / 1، و سير أعلام النبلاء للذهبي 198 / 3، و رجال الکشي ص 50، و معادن الحکمة في مکاتيب الأئمة للکاشاني 34 / 1، و بحارالأنوار 212 / 44، و أعيان الشيعة للأمين 119 / 4، و الدرجات الرفيعة / السيد عليخان ص 338، و قد أوردنا في فصل سابق الموضع الذي ذکر فيه هذا الفصل و مناسبته.

[2] الامامة السياسة ابن‏قتيبة 199 / 1.