بازگشت

صبرا أباعبدالله


لقد أصيب بجراحات كثيرة، و قد رمي بسهم وقع في جبهته المقدسة، و رمي بحجر في جبهته أيضا سالت منهما دماء كثيرة علي وجهه ولحيته، و اذ هو مشغول بمسح الدماء عن وجهه و عينيه رمي بسهم مسموم وقع علي صدره.

كانت الجريمة ترتكب بشكل متعمد، و مع سبق الاصرار، و القتلة مصرون علي المضي فيها الي النهاية، فليتوجه الي الله الذي لم يتوجه الا اليه من قبل، و ليقدم نفسه ضحية اليه، و في سبيل دينه الذي ارتضاه، و لم يرتض غيره.

(بسم الله و بالله علي ملة رسول الله. الهي انك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس علي وجه الأرض ابن نبي غيره) [1] ، (وضع يديه تحت الجرح، فلما امتلأت دما رمي به نحو السماء و قال: «هون علي ما نزل بي أنه بعين الله» فلم تسقط من ذلك الدم قطرة الي الأرض، (ثم وضع يده ثانيا فلما امتلأت لطخ به رأسه و وجهه، و قال: «هكذا أكون حتي ألقي الله و جدي رسول الله و أنا مخضوب بدمي»). [2] .

كان القربان يقدم و يتقبل، و ابن خير خلق الله يقدم دمه لله، اذ لم ير سواه في تلك اللحظة، كما لم ير سواه في أية لحظة من لحظات حياته من قبل، و قد هانت عليه جراحاته و دمه.

أي مشهد سيشهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عندما سيقدم عليه الحسين عليه السلام مخضبا بدمه، و أي لون جميل للشهادة ستشهد الجنة، عندما يطل عليها الحسين عليه السلام الحسين عليه السلام، بذلك الدم الأحمر الفاني الذي قدمه عن طيب خاطر.

و أي بريق سيظل لذلك الدم علي مر الأجيال، يلوح أمام كل من يعتقد بالاسلام، و يري أنه ينتهك و يزور و يحرف بأيدي أعدائه؟

لم تكن تلك المشاهد التي شهدتها عرصة كربلاء مما يمكن أن تسقط من الذاكرة بمجرد أن ينتهي الحدث و تنتهي الواقعة، بل أن دم الحسين عليه السلام سيكون


المؤشر علي بداية المواجهة الحقيقية مع دولة الظلم علي امتداد التاريخ، مهما كان شكل هذه الدولة، و مهما كانت شعاراتها و أباطيلها.

لم يكن الدم المراق يسقط دون أن تكون كل قطرة منه شاهدا علي الجريمة التي عمدت اليها دولة الظلم الأموية، و التي أثبتت فيها بشكل قاطع ابتعادها عن الاسلام و رفضها التام له.

و لم يكن بامكان أي أحد أن يعرض صورة جميلة للشهيد، كما عرضها الامام الحسين عليه السلام، صورة الشهيد الوحيد الذي يقف بمواجهة آلاف الأعداء، يرهبهم بعزمه علي الوقوف مع الله الي النهاية، و يرهبهم بصبره و جلده و دمه الزاكي، و قد أعياه نزف الدم، و استغل أعداؤه تلك الفرصة ليوجهوا اليه المزيد من الضربات.

و كان المشهد الأخير مروعا حقا، فها هو جريح ظمآن يوشك أن يترك عياله و حرمه بأيدي أعدائه الذين كانوا في كل لحظة يعبرون عن تعطشهم الوحشي لدمه، و الذين كانوا يستبيحون حتي قتل الأطفال الرضع لمجرد أنهم كانوا معه، و من عائلته، و ما هو الشمر يأتي مهددا باحراق فسطاطه وخيم أهله، و ها هم يقصدونه لمزيد من الضربات و مزيد من الدماء.

علي أن الأمر الذي كان يبعث علي المزيد من الألم، رؤيته طفل أخيه، عبدالله بن الحسن عليه السلام و هو غلام لم يراهق بعد و هو يقتل في حجره.

هال الغلام ما يفعل بعمه، وراعه تصميمهم علي قتله، فخرج من عند النساء يشتد نحوه، رغم محاولة عمته زينب حبسه و منعه من ذلك و صاح:

«لا و الله لا أفارق عمي». و وقف الي جانبه و هو صريع علي الأرض، و أراد منع أحد أعوان ابن زياد من ضربه بالسيف قائلا له: «يا ويلك يا ابن الخبيثة، أتقل عمي؟»، فكان أن ضربه هو بالسيف فاتقاها بيده، فأطنها الي الجلد فاذا هي معلقة.

و قد أخذه الحسين عليه السلام و ضمه الي صدره و قال له: («يا ابن أخي، اصبر علي ما نزل بك، و احتسب في ذلك الخير، فان الله تعالي يلحقك بآبائك الصالحين»، فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه، و هو في حجر عمه الحسين. فرفع الحسين عليه السلام يديه الي السماء قائلا: «اللهم، ان متعتهم الي حين، ففرقهم فرقا،


و اجعلهم طرائق قددا، و لا ترض عنهم الولاة أبدا، فانهم دعونا لينصرونا، فعدوا علينا يقاتلوننا»). [3] .

كان الحسين عليه السلام واثقا أنه سيلتقي بابن أخيه بعد لحظات، و أن الفراق لن يكون طويلا، غير أن ما آلمه هو العدوان غير المبرر عليه، فهذا الغلام لم يرفع سيفا و لم يأت مقاتلا، و قد أثاره ما يفعل بعمه، فأراد الوقوف الي جانبه، و دفع الأذي عنه، و هو موقف لابد أن يقابل باستحسان حتي من قبل أولئك القتلة، فلن يغير الغلام من اتجاه (المعركة) و سيرها، و قد لا تتاح له فرصة قتل أحد مادام لا يحمل سلاحا، و كان بامكانهم تجنب قتله و تركه لمشاعره و آلامة.

أما و قد فعلوا ما فعلوه، و قد قتلوا الغلام، فانهم كشفوا حقيقتهم و عبثهم و استهتارهم بكل قيم الانسانية.

و كان لابد أن تتردد أقواله لابن أخيه في ذلك الموقف العصيب عبر الأجيال، فلابد من الصبر في هذا المقام، بل انه لمقام يستحق الشكر مادام سيلتحق برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و خيرة آله عليهم السلام في جنان الخلد.

و كان دعاؤه تطلعا واعيا و نظرة مستشرفة نفاذة الي مستقبل هؤلاء الذين قبلوا أن يرتموا بأحضان الظالم، و يكونوا أدوات لظلمه و بطشه، فلم تكن تجمعهم عقيدة ما، و لم يكونوا يثأروا للاسلام أو يرفعوا سيوفهم في سبيله، و انما كانوا منساقين لحكامهم الظلمة، لا يرون غيرهم و لا يمتثلون الا لأوامرهم، و كانت كلمتهم هي القول الفصل و قانونهم هو طاعتهم العمياء.

ان قوتهم مظهرية و حسب، و ان توحدهم لسبب واحد، و الاستجابة التامة لأسيادهم الذين جندوهم لهذه المهمة القذرة، و حالما تزول الأسباب التي اجتمعوا لأجلها هنا، و يذهبون الي حال سبيلهم، فان هؤلاء الأسياد لابد أن يضعوهم في مواقف يحارب فيها بعضهم بعضا، و يقتل فيها بعضهم البعض الآخر.


وحدتهم، بل وحدة المسلمين، و هو ما تتشدق به دولة الظلم الأموية، و تدعي الدعوة اليه، لا تسر هذه الدولة، و تري فيها خطرا عليها، و لابد أن يكونوا شيعا و أحزابا و فرقا، و هكذا كانوا بعد ذلك بتخطيط محكم مدروس منها، و من كل دول الظلم المتعاقبة علي حكمهم.

ان تفرقهم لن يتيح لهم الصمود و الوقوف بوجه دولة الظلم و نقدها و استنكار أعمالها، و سيكون سببا لموتهم و ذلهم و وقوعهم الي الأبد في شباكها و تحت سيطرتها.

لقد اجتمعوا مرة واحدة، و طالبوه بالقدوم عليهم و قيادتهم لتخليصهم من الحكم الأموي المنحرف، و حالما كشر لهم أقطاب هذا الحكم و كشفوا عن أنيابهم و وعدوهم ببعض المكاسب البسيطة، قلبوا ظهر المجن للحسين عليه السلام، و لم يكتفوا بالتخلي عنه، و انما جندوا أنفسهم مع عدوه، و أقبلوا يقاتلونه بحماس من كان يري فيه خطرا كبيرا عليه، و كأنه كان يستهدفهم بالشر و الأذي، لا الدولة الظالمة التي كانت تسخرهم و تسعي الي ابادتهم و القضاء عليهم، و العودة بهم الي عصور الظلام و الجهل التي أنقذهم الاسلام منها.

و لعل ما كان يؤلم الحسين عليه السلام، أن أولئك الذين كان يسعي الي اصلاحهم و سعادتهم، هم الذين يسعون الآن الي قتله و أذاه بطرق شريرة لم تكن مألوفة لدي العرب من قبل علي الاطلاق، و كان تفننهم بضروب الوحشية و الأذي، التي ربما لم يطالبهم بها حتي الحاكم الظالم، و لم تكن الا مبادرات شخصية من قبلهم، يريدون بها كسب رضاه ووده، يكشف للحسين عليه السلام مدي الحالة الخطيرة التي انحدروا اليها، و الا، فهل هذه هي الأمة الاسلامية التي رباها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أعدها للوقوف بوجه كل جاهليات الأرض و طواغيت الشرك و الضلال؟ و هل هذه هي نتاج كل جهوده و تضحياته، و نتاج جهود و تضحيات مئات الأنبياء علي امتداد التاريخ؟

هل هذه أمة الوحي حقا؟

كلا، بالتأكيد، فليدع الله أن لا تقوم لها قائمة، و أن تعود أمة الاسلام التي رباها و أعدها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و أبوه أميرالمؤمنين عليه السلام من قبل، فهذه هي الأمة الجديرة بالبقاء و الوجود و الامتداد.

لقد صبر الحسين عليه السلام علي موقف عابث آخر، من شأنه في نهاية المطاف أن


يكشف طبيعة الذين تصدوا لحربه و قتله، و قد أخجل ذلك الموقف حتي صاحب الجريمة نفسه هاني ء بن ثبيت الحضرمي.

فعند مصرع الحسين عليه السلام، كان هاني ء أحد شهود الجريمة و أحد المشاركين فيها، روي في زمن خالد بن عبدالله و هو شيخ كبير فقال:

(كنت ممن شهد قتل الحسين. فوالله اني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل الا علي فرس، و قد جالت الخيل و تصعصعت، اذ خرج غلام من آل الحسين، و هو ممسك بعود من تلك الأبنية، عليه ازار و قميص، و هو مذعور، يتلفت يمينا و شمالا، فكأني أنظر الي درتين في أذنيه تذبذبان كلما التفت، اذ أقبل اليه رجل يركض، حتي اذا دنا منه مال عن فرسه، ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف). [4] .

(و ذلك الغلام هو محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب، و كانت أمة تنظر اليه و هي مدهوشة). [5] .

لقد كان ذلك الطفل الصغير الذي كانت أمه تزينه بزينة البنات بعد، و لا يزال يلبس قرطين، كانا يتذبذبان علي خديه كلما التفت، مذعورا، و هو قد كان هكذا كما روي لنا صاحب الجريمة نفسه، الذي خجل من جريمته بعد أن عوتب بعد ذلك بسنوات طويلة [6] ، و قد خرج لا يدري الي أين و ربما شهد مصرع الحسين عليه السلام، و اقبال القتلة للقضاء عليه نهائيا.

أي ضير عليهم لو تركوه و لم يقتلوه؟

هكذا ستتسائل الأمة كلها فيما بعد، و ستصرخ: ما ذنبه، و علام هذا العبث الذي لا مبرر له؟

ان أقصي ما يمكن أن يفعله القاتل هو محاولة التكتم علي جريمته و اخفاء اسمه، لكي لا يدان شخصيا، كما كان الحال مع ابن ثبيت الحضرمي.

غير أنها جريمة ارتكبت في وضح النهار، و كان شاهدها جيش بأكمله، لم يحتج أحد أفراده و لم يستنكر هذه الجريمة، و لعله حسب مرتكبها متطرفا، أو محبا


ليزيد، و ابن زياد، و قد أراد أن يلحق بعدوهما أقصي ما يستطيع من ضرر، ليكون ذلك عبرة لكل أعدائهما الآخرين.

كان الأمر سيبرر لو أن القتلة قالوا: كنا مأمورين بقتل الحسين، و قد نفذنا الأوامر. فهو عدو الدولة و قد رفع السيف بوجهها.

لكنهم في الأحوال الأخري التي أقدموا فيها علي قتل مجموعة من الأطفال الصغار الأبرياء، كيف سيستطيعون تبرير جرائمهم؟ و ما عسي ذلك الجيش كله أن يقول اذا ما سئل كل فرد من أفراده: كيف سمحت بارتكاب هذه المجازر بحق هؤلاء الأطفال؟

هل تلقيتم أوامر بقتلهم؟ و ممن كانت تلك الأوامر؟

أم أنكم كنتم تلعبون و تعبثون؟

و كان ذلك سيثير في نهاية المطاف أسئلة جادة حول الدوافع الحقيقية من وراء ارتكاب مجازر الانحراف، و استسلامها و استكانتها أما الهجمة الشرسة التي شنها الحكم الأموي للحفاظ علي نفسه و كيانه مهما كان ثمن ذلك، و بغض النظر عن تعاليم الاسلام و قيمه التي ادعي تمسكه بها. لقد كشفت تلك الجرائم ابتعاده التام عن الاسلام، و رفضه له رغم ادعاءاته الكاذبة التي كانت تحاول نفي ذلك، و لفتت نظر الأمة الي الدوافع الحقيقية لثورة الحسين عليه السلام عليه. فتمادي القتلة و ايغالهم بجرائم لا حاجة اليها مثل قتل الأطفال الصغار، سيكون عامل تساؤل دائمي من قبل الأمة عن طبيعة القضية كلها، و سيكون دافعا لجعل الناس تلتفت الي عدالة قضية الحسين عليه السلام و تتبناها فيما بعد حتي و ان طال المدي.

كانت لحظات المواجهة الأخيرة ثقيلة الوطء طويلة حافلة بكل صنوف الآلام و المتاعب التي لا يمكن احتمالها، فكيف حصل أن تواجه الأمة امامها الحقيقي، و تحيط به مجموعة من أبنائها، و تعتدي عليه بتلك الضراوة المقيتة، كان المشهد أعظم من أن تصفه كلمات محدودة أو يتصوره عقل لم يشهد أو يتوقع أن يشهد مثله.

هل كان الحسين عليه السلام العدو الحقيقي الذي سبب كل الويلات و المتاعب للأمة لتواجهه هذه المجموعة منها تلك المواجهة الشرسة؟

و هل أن العدو الحقيقي الفعل الذي كان يستحق منها ما لقيه الحسين عليه السلام قد أبعد عن الساحة، أم أنه أصبح هو المسيطر علي زمام الأمور و السلطة؟


و متي علمنا أن أولئك الذين استدعوه لينصروه، لم يجدوا في أنفسهم الشجاعة الكافية لمواجهة الارهاب الأموي، فانهم حاولوا تحسين صورهم بنظر هذا النظام، و الظهور بمظهر اخر مغاير للأول تماما، و كأنهم من أشد المناصرين لدولة الظلم، المندفعين عن عقيدة و وعي لاسنادها و الوقوف بوجه أعدائها و أولهم الحسين عليه السلام، الذي قالت لهم عنه أنه من أشد أعدائها، و اذا ما كانوا موالين لها فليتوجهوا لحربه و قتاله، و هكذا عدوا عليه فقتلوه، ليؤكدوا ولاءهم للدولة و خضوعهم لها، و ذهبوا في تفننهم بجريمة القتل حدا ربما لم يتوقعه أحد.

(حملوا عليه من كل جانب، فضربت كفه اليسري ضربة، ضربها زرعة بن شريك التميمي، و ضرب علي عاتقه و كان قد أعيا، فجعل ينوء برقبته، و يقوم و يكبو علي الأرض. فحمل عليه سنان بن أنس النخعي فطعنه بالرمح في ترقوته فوقع ثم انتزع الرمح و طعنه في بواني صدره، ثم رماه بسهم وقع في نحره، و طعنه صالح بن وهب المزني بالرمح في خاصرته، و قصد اليه نصر بن حرشة فجعل يضربه بسيفه و رماه الحصين بن تميم في حلقه، فعند ذلك وقع علي الأرض مغشيا عليه). [7] .

لم يتصور أحد أن وليمة الدم تتحمل كل أولئك القتلة، فقد كان بامكان واحد منهم و حسب أن يتم الجريمة و يقتل الحسين عليه السلام، غير أنهم أرادوا في لحظات الجنون و العبث تلك، أن يشاركوا كلهم ليثبتوا لقائدهم المتلهف علي قتله و التمثيل بجثته، أنهم أهل لتنفيذ أوامره و تلبية رغباته، حتي و ان لم يصرح بها كلها، فقد عرفوا اتجاه تلك الرغبات، و ليس عليه أن يتعب نفسه بالتفاصيل، فسيتفننون بها تفننا يرضيه، و قد فعلوا ذلك بشكل يفوق التصور البشري.

روي أحد الذين حضروا المشهد، قال:

(كنت واقفا مع أصحاب عمر بن سعد، فخرجت بين الصفين، و وقفت علي الحسين، و هو طريح علي الأرض و أنه ليجود بنفسه فوالله ما رأيت قتيلا مضرجا بدمه


أحسن منه و لا أنور وجها، و لقد شغلني نور وجهه و جمال هيأته عن الفكرة في قتله، فاستسقي في تلك الحال ماء، فسمعت رجلا يقول له:

و الله لا تذوق الماء حتي ترد الحامية فتشرب من حميمها.

فسمعته يقول: يا ويلك أنا لا أرد الحامية و لا أشرب من حميمها، بل أرد علي جدي رسول الله و أسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر، و أشرب من ماء غير آسن، و أشكوا اليه ما ارتكبتم مني و فعلتم بي.

فغضبوا جميعهم حتي كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئا. [8] .

هل غاب عنهم حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بشأنه و شأن أخيه عليه السلام:

«الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة»؟. [9] .

كيف يرد الحامية من كان سيدا لشباب أهل الجنة بعهد معهود من الله لرسوله صلي الله عليه و آله و سلم؟

و هل غاب عنهم فضله و مقامه و ما ورد بحقه، أم أنهم أرادوا تبرير فعلتهم بحقه، فأضافوا الي جريمة القتل جريمة الكذب و الافتراء؟

لا شك أن مظهره في تلك الحال تدل علي حاجته للماء، و لا شك أن مطلبه لو فعل ذلك مطلب يسير، ولو أنهم استجابوا له و سقوه لما تغير الحال، غير أننا ربما نسمع عن فعل خير فعلوه، و عن مطلب مشروع استجابوا له، كما يستجاب للمطالب الأخيرة لمن يعرضون علي الموت.

ماذا كان دافع ذلك الذي أجابه متشفيا كما فعل آخرون في مواقف أخري سوي اظهار الميل و الانحياز لسلطة الظلم ليحسن حاله في عينيها؟

لماذ غضبوا عندما أعاد لأذهانهم حقيقة أنه سيد شباب أهل الجنة، و أنه سيرد علي جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و يسكن معه في داره في مقعد صدق عنك مليك مقتدر، و يشرب من ماء غير آسن و غير ملطخ بالدماء كالذي يشربونه هم؟

و لماذا غضبوا عندما قال لهم أنه سيشكو الي جده صلي الله عليه و آله و سلم ما ارتكبوه بحقه و ما فعلوه به؟


لأنهم تيقنوا أنه سيرد علي جده حقا، و سيشكو اليه فعلهم به، فالكوفة بالذات لم تنس كل ما ورد بحقه و فضله في كتاب الله و عن رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، و لئن غابت عن أذهان أهل الشام المضللين المخدوعين فضائل آل البيت و منهم الحسين عليهم السلام، فما كانت الكوفة لتنسي ذلك، و قد كانت حتي وقت قريب تهتف باسمه و تدعوه لقيادتها علي خط جده صلي الله عليه و آله و سلم و أبيه عليه السلام.


پاورقي

[1] الخوارزمي 54 / 2، و اللهوف ص 50، و تهذيب ابن‏عساکر 338 / 4.

[2] الخوارزمي 34 / 2، و البحار 53 / 45.

[3] الطبري 333 / 3، و قد روي أنه قال له: «يا ابن أخي اصبر علي ما نزل بک، و احتسب في ذلک الخير، فان الله يحلقک بآبائک الصالحين: برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علي بن أبي‏طالب، و حمزة و جعفر و الحسن بن علي، صلي الله عليهم أجمعين»، و راجع اللهوف ص 51، و البحار 54 / 45، و مثير الأحزان ص 38، و الأنساب للبلاذري 202 / 3، و النويري 459 / 20، و قد ورد فيه «اللهم امسک عنهم قطر السماء و امنعهم برکات الأرض...).

[4] الطبري 332 / 3، و ابن‏کثير 186 / 8، و مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني ص 87، و الخصائص الحسينية للشوشتري ص 129.

[5] الطبري 332 / 3، و ابن‏کثير 186 / 8، و مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني ص 87، و الخصائص الحسينية للشوشتري ص 129.

[6] الطبري 332 / 3.

[7] الطبري 334 / 3، و الأخبار الطوال للدينوري ص 255، و الخطط المقريزية 882 / 2، و مناقب ابن‏شهر آشوب 111 / 4، و اللهوف ص 52، و أنساب الأشراف للبلاذري 203 / 3، و الارشاد ص 257، و الخوارزمي 35 / 2، و نهاية الأرب للنويري 459 / 20، و مقتل العوالم ص 110، و الاتحاف بحب الأشراف ص 116.

[8] اللهوف ص 53، و مثير الأحزان ص 39.

[9] تطرقنا في فصل سبق الي الأحاديث المتواترة الأکيدة الواردة بفضلهما و فضل آل البيت جميعا عليهم‏السلام.