بازگشت

صبرا علي الموت بني عمومتي، لا رأيتم هوانا بعد اليوم


يقتل ابنه علي الأكبر و بقية أولاده حتي الرضع منهم، (و حتي المريض أرادوا قتله بعد ذلك) و يقتل أبناء أخيه و أبناء عمومته و أولادهم و أصحابه و يجرح جروحا بليغة و ينتظر بعد لحظات قتله و التمثيل بجثته، و أخذ النساء و الأطفال أسري مكبلين بالقيود، بعد أن تحرق خيامهم و يسلب ما عليهم من حلي و حتي بعض الملابس و ربما عمدوا معهن الي أقسي الأساليب التي لم تخطر ببال عربي يعتز بعروبته، ناهيك بمسلم يقيده قانون الاسلام، يري نفسه وحيدا بمواجهة عشرات الآلاف من الجنود يتلهف عشرات بل مئات منهم (للفوز) برأسه و تقديمه لسيدهم ابن زياد، و كأنه أحد أعداء الاسلام الألداء.

كان يري أنهم أجدر بالرثاء، و أن حالهم بالتأكيد أسوأ من حاله، هذا اذا كان يفكر أصلا أن حاله كانت سيئة فعلا و هو يواجههم.

فقد أقدم علي ما أقدم عليه متوقعا كل ذلك، لأن هدفه كان كبيرا، بل أكبر مما يتحمله المستسلمون الخائفون، و كان يتوقع أن تستنفر الدولة كل قوتها و جنودها و قتله، و ستكون محصلة عمله تنبيه الأمة الي واقعها السي ء في ظل الانحراف الأموي


و سقوط رموز هذا الانحراف و جعل دول الظلم فيما بعد تحسب حسابا للأمة التي قد تثور عليها مقتدية به، و سيجني هو شخصيا مع من أقدموا معه علي خطوته العظيمة و شاركوا بثورته ثمار ذلك مع جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في جنان الخلد، و سيفد علي ربه الكريم بعد أن فدي دينه بنفسه.

فأي لقاء حافل سيكون في الفردوس عند ذاك، بعد أن يلتقي آل البيت ببقيتهم، الحسين و قد نجح نجاحا باهرا بمهمته العظيمة، و أية فرصة غامرة سترتسم علي وجه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعد أن يلتقي به لقاءا دائما أبديا، و طالما كان الحزن و الأسي يرتسم علي وجهه الشريف و تفيض عيناه بالدموع عندما يري بعين البصيرة و العلم الالهي اليقيني ما سيلقاه علي يد أمته التي ابتعدت عنه و ذهبت الي حد قتل أبنائه و آله و التعدي عليهم.

هل من المعقول أن لا يصمد الحسين و يصبر امامهم هو ساعة قصيرة، و لا يكون سعيدا و هو يقدم علي جده و أبيه و أمه تحف بهم أنبياء الله و ملائكته الكرام و جميع الشهداء و الصديقين، و ليس بينه و بينهم سوي تلك الساعة و حسب؟

كان يحث أصحابه و أهل بيته و أبناء عمومته علي الصبر و الثبات بوجه العدو الذي كان يتفوق عليهم عددا وعدة، و لطالما كان يصيح بهم عند اشتداد القتال:

(صبرا علي الموت يا بني عمومتي، لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم). [1] .

مع أنهم كانوا ثابتين بمواجهة العدو، و طالما الحقوا الضرر به ولو أنهم لجأوا الي أساليب الغدر التي لجأ اليها العدو لكانت خسائره فادحة حتما.


پاورقي

[1] مقتل الحسين، السيد محمد تقي آل بحر العلوم، دار الزهراء لبنان ط 1985، 2 ص 352، نقلا عن مقتل الخوارزمي، و أبصار العين، و الدر النظيم في مناقب الأئمة ص 271.