بازگشت

مفهوم الصبر القرآني


فليس الصبر بمفهوم الاسلام حالة سلبية مقترنة بالسكون و الاستسلام، و انما هو فعل ارادي حر يتطلب قوة استثنائية قد لا تكون الا لذوي الايمان القوي و العزيمة الراسخة و اليقين الثابت بالله عزوجل، فعل يقترن بالعمل الصالح، الذي يقره الاسلام و يريده، لا الذي تقره أعراف المجتمع أو الحكام [1] الجائرون الفاسقون.

لقد قرن الصبر بالصدق و الجهاد في سبيل الله و المرحمة و التقوي و الاحسان


و الثبات و الهدي و الفوز بالجنة [2] .

اتري ان من زوروا التاريخ و ضللوا الناس و سرقوا مكتسبات المسلمين و تسللوا الي مراكز القيادة التي ابعدوا عنها بأمر رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم، بعد ان ثبت عداءهم للاسلام، قادرين علي اجتياز اي اختبار من هذا النمط؟ و ما عساهم سيقولون لله اذا ما وقفوا بين يديه في يوم الحساب و الجزاء، و هو يوم آت لا ريب فيه؟ لقد تحملوا وزر تضليل و خداع و قهر هذه الامة علي امتداد الاجيال، و حتي يومنا هذا، و لم يتحملوا وزر انفسهم و حسب.

و امام كارثة كهذه حلت بالامة عندما تسلط يزيد و اصبح خليفة بكل وسائل القهر و الخديعة الملتوية، كان لابد من موقف ثابت في صف الاسلام، و لا بد من جهاد المنحرفين و اعداء الاسلام السريين الذين تسللوا الي مواقع الصدارة.

و كانت المعركة هنا اشد من تلك التي خاضها المسلمون الاوائل بقيادة الرسول صلي الله عليه و اله و سلم امام الكفار و المشركين المكشوفين المعروفين المعلنين لكفرهم و اشراكهم فقد كانت مواقع الخطر مكشوفة و معروفة و مراقبة من قبل المسلمين، و كانت الوقاية من ريح الشر ممكنة ما داموا يعرفون مصدر تلك الريح و اتجاهاتها، اما هنا فان جبهة اعداء الاسلام المتحدة قد اخفت اغراضها و اهدافها، و لعبت لعبتها بمهارة و حذق جديرين بشيطان الشر و عبقرية معاوية، الذي تزعم هذه الجبهة و وصل الي ارفع مستوي قيادة يتيح له تنفيذ مخططاته بيسر و سهولة.


و لم يكن من الهين كشف مخططات الأعداء السريين للاسلام مادامت مقدرات الأمة كلها بين أيديهم، و مادام الصوت الوحيد الذي يمكن أن يرتفع و يؤثر و يصل الي كل الأسماع هو صوتهم، و مادامت فئات كبيرة من الأمة مضللة لا تعرف حقيقة أهدافهم، و كان التصدي لهم جديرا بممثل الرسول الحقيقي و خليفته الشرعي، الامام الحسين عليه السلام، اذ لم يكن أحد غيره بقادر علي لفت أنظار الأمة الي المخاطر الكبيرة التي تتعرض لها في ظل دولة الظلم و الانحراف الأموية، و كان أي دم، غير دمه، سيضيع في غمرة حملة الزيف و التزوير و الكذب التي جند له عشرات الآلاف من وعاظ الدولة المأجورين و المرتزقة الآخرين.


پاورقي

[1] (و قال الذين أوتوا العلم ويلکم ثواب الله خير لمن ءامن و عمل صلحا و لا يلقها الا الصبرون) القصص: 80.

[2] (و لنبلونکم حتي نعلم المجهدين منکم و الصبرين) محمد: 31. (ربنآ أفرغ علينا صبرا و ثبت أقدامنا) البقرة: 250. (و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر) العصر: 3 (اصبروا و صابروا و رابطوا واتقوا الله) آل عمران: 200. (انه من يتق و يصبر فان الله لا يضيع أجر المحسنين) يوسف: 90. (و ان تصبروا و تتقوا فان ذلک من عزم الأمور) آل عمران: 186. (و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) السجدة: 24. (و لنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما کانوا يعملون) النحل: 96. (اني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفآئزون) المؤمنون: 111.