بازگشت

معاوية يزور حقيقة الصبر


و قد حاولت هذه الدولة بمساع منظمة دؤوبة من مؤسسها معاوية أن تسكت كل صوت يمكن أن يرتفع بالمعارضة و الاحتجاج ضد ممارساتها غير المشروعة، و البعيدة عن الاسلام، فلجأت الي تزوير الحقائق و تأويل الآيات القرآنية بشكل مفضوح، و وضع الروايات و الأحاديث الكاذبة و نسبتها الي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، بل و الذهاب الي حد تحدي الواضح منها و المعروف، اذ بدا أن مصلحة الدولة العليا، التي تعني مصلحتهم الشخصية دون شك كانت فوق كل اعتبار أو قانون، حتي ولو كان قانون الاسلام.

بل لعل أقطاب و رموز دولة الظلم الأموية كانوا يتباهون بظلمهم و قسوتهم و استبدادهم معلنين من طرف خفي رفضهم لقيم الاسلام و تشريعاته، و ليقطعوا أمل الناس بحكومة اسلامية عادلة تسير فيهم بسيرة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، علي اعتبار أنها سيرة (مثالية) لا يمكن أن تتكرر علي هذه الأرض ثانية.

و قد اطلعنا علي القصة الموضوعة بلا شك من قبل معاوية عمدا و التي سخر فيها من يزيد عندما أخبره أن سيسير بسيرة عمر بن الخطاب اذا ما أصبح خليفة، و قوله له: انني جهدت أن أسير فيهم بسيرة عثمان فما استطعت، فكيف تستطيع أنت أن تكون مثل عمر؟


لا شك أنه كان بذلك يمهد لبداية عد تنازلي لانتهاك معلن و خروج صريح عن الاسلام، و أنه كان يعد لترويض الأمة لقبول يزيد و أشباهه فيما بعد، و ان عليها أن تسكت و (تصبر) علي ممارسات خليفة المسلمين و ولي الأمر، و ليس عليها أن تحتج عليه لأي سبب من الأسباب، و قد روي أن معاوية قدم المدينة:

(فلقيه أبوقتادة الأنصاري، فقال معاوية: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار. قال: لم يكن لنا دواب. فقال: فأين النواضح؟ قال: عقرناها في طلبك و طلب أبيك يوم بدر. ثم قال أبوقتادة: ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال لنا: انكم سترون بعدي أثره، فقال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر، قال: فاصبروا). [1] .

و لا يخفي ما في هذا القول من تحد واضح فالأثرة لابد أن تكون من الظلمة و الخارجين عن أحكام الاسلام، و لم ينف معاوية عن نفسه قيامه بذلك، الا أنه طاب بالسكوت عنه ذاهبا الي معني لم يرده الرسول صلي الله عليه و آله و سلم حتما.

ان هذا الصبر الأموي يرفضه الاسلام جملة و تفصيلا، مع أنه طالب المسلمين بالصبر علي ضروب المكاره، ولكن لمواجهة أعداء الاسلام من الكفار و المشركين و المنحرفين، الذين هم أشد عليه من كل الأعداء، لأن خطرهم ربما يكون غير مكشوف للعديد من أبناء الأمة المضللين و المغرر بهم و المخدوعين، خصوصا اذا ما كانت يد الانحراف هي الغالبة و المسيطرة و المتنفذة، و كان المنحرفون علي رأس السلطة، و علي سدة الحكم.


پاورقي

[1] تاريخ الخلفاء، السيوطي 188.