بازگشت

تمهيد


لم يقف شجاعة الامام عليه السلام في المعركة سوي صبره و تحمله ضروب الشدائد و الأذي في لحظات قصار بدت مشحونة و مزدحمة بتلك الضروب و بدا أن تحملها من قبل انسان عادي، أمر هو أقرب الي الخيال.

لقد ذهب بعض من تحدثوا عن شجاعته حدا قالوا فيه: انها فاقت شجاعة والده أميرالمؤمنين عليه السلام و هو أشجع العرب دون استثناء، لكن القول قد يصح، ان أحدا ما حتي أميرالمؤمنين عليه السلام نفسه لم يتعرض للموقف الذي تعرض له الحسين عليه السلام في واقعة الطف و قبيلها، فالمقارنة غير واردة في هذا المجال، لأن أميرالمؤمنين عليه السلام لو كان قد تعرض لموقفه لكان قد وقف وقفته حتما.

و لأن وقفة الحسين عليه السلام الفريدة في وجه أعدائه بعيد اللحظات التي قتل فيها أصحابه و أهل بيته و بقي فيها وحيدا، الا من النسوة و الأطفال المرعوبين، متعبا جريحا عطشانا، يحيط به أشد الناس قسوة و ضراوة، و قد تزعموا جيشا جرد لقتاله و حربه، أمرا لا يمكن المرور به مرروا عابرا دون التأمل فيه و دراسته، فان أجيالا من المسلمن لا تزال تهزها مشاهد تلك الوقفة، و تتأمل في تقاصيلها و دقائقها بانبهار و اعجاب جديرين بالحسين عليه السلام حقا، و هو من أخذ علي عاتقه ايقاف الانحراف و منع دولة الظلم من الاستمرار و البقاء.

لم يجد الخوف و التردد سبيلهما الي قلب الحسين عليه السلام، و هو يتصدي لانجاز أكبر مهمة في تاريخ المسلمين، و يعرف حجم القوة الكبيرة التي حشدها العدو مقابل أصحابه الذين لا يتجاوزون سبعين رجلا الا بقليل، و قد استشهد معه هؤلاء و لم يترددوا في مقاومة عدوهم و مقارعته و حربه، و كانوا علي بينة، واضحة من طبيعة


مهمة الامام عليه السلام، و لم ينكل أن ينسحب أحد منهم، و مضوا مستبشرين خلفه الي نهاية الشوط.

و لنا أن نتصور امام الأمة، و خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الشرعي، و من وجبت علي الأمة طاعته و الاقتداء به، منفردا قد تخلت عنه هذه الأمة و تركته يواجه بأصحابه القلائل دولة الظلم الحريصة علي البقاء و الاستمرار، و قد تساقط هؤلاء الأصحاب أمام عينيه واحدا بعد الآخر، و بقي هو وحيدا بمواجهة جيشها الذي بدأ يستعرض قوته أمامه و كأنه قد تغلب علي جيش كبير مقابل من المجوس أو الروم، و بدأ يستعد لحرق الخيام و سلب النساء و الأطفال و ترويعهم و أخذهم أسري و منعهم من الماء و الطعام.

و لنا أن نتصوره و هو يتلقي ضربات السيوف و الرماح و السهام و آلاف الجند المتلهفين علي سفك دمه و قطع رأسه و التمثيل بجثته تقربا من رموز السلطة و طمعا في المغانم و المكاسب، ثم يستمر بمواجهة هذا الجيش و اشهار سيفه و مقاومته بل و الهجوم عليه ان صح التعبير.