بازگشت

نماذج من صلاة الحسين قبل و بعد المعركة و آثارها التربوية العظيمة


و ليس استطرادنا هنا في مجال المقارنة بين الحسين عليه السلام و يزيد، فهذا أمر لا يتم ببساطة، و الا فهل تمكن المقارنة بين عاشق حقيقي للاسلام و بين كاره له خارج عليه؟

و بين من كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة و بين تارك للصلاة؟

لقد ذكر لنا أن الحر بن يزيد أقبل لمحاصرة الحسين عليه السلام و مراقبته و منعه من الرجوع ان هو رغب في ذلك (فلم يزل موافقا له حتي حضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين الحجاج بن مسروع الجعفي أن يؤذن، فأذن، فلما حضرت الاقامة خرج الحسين في ازار ورداء و نعلين). [1] .

و ألقي خطبة قصيرة حث فيها أصحاب الحر علي الالتزام بمواثيقهم و عهودهم له، و طلب منهم تحديد موقفهم منه، و عندما سكتوا و لم يتلق جوابا منهم.

(و قالوا للمؤذن: أقم فأقام الصلاة، فقال الحسين عليه السلام للحر: أتريد أن تصلي بأصحابك؟ قال: لا بل تصلي أنت و نصلي بصلاتك، فصلي بهم الحسين،

(فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيأوا للرحيل، ثم أنه خرج فأمر مناديه فنادي بالعصر، و أقام فاستقدم الحسين فصلي بالقوم ثم سلم). [2] .

و ألقي كلمة أخري ذكر فيها القوم بعهودهم و كتبهم التي أرسلوها اليه و أخرجها لهم و نشرها بين أيديهم.

كانت كلماته بعد صلاته بهم ستعيد الي أذهانهم ذكري جده صلي الله عليه و آله و سلم و أبيه عليه السلام لو أنهم كانوا يعيشون جوا صحيا و يتنفسون هواء نقيا، لكنهم كانوا يعيشون في ظل


الارهاب و الخوف و القلق، و كانت كلماته تصطدم بجدار ذلك الخوف الذي أقاموه لأنفسهم، اذ لم يروا أمامهم سوي قوة يزيد و بطش ابن زياد، و كان الأمر سيان ليدهم أن يصلوا خلف الحسين عليه السلام مادام الحر قد سمح لهم بذلك أو خلف الحر، ممثل السلطة، مادامت الصلاة أمرا يجب أن يؤدي و حسب، و لا يهم لخف من و مع من.

و كان حريا بهم أن يستمعوا لكلمات من صلوا خلفه و يتدبروها جيدا، و مع ذلك فان ارداتهم كانت مرهونة بارادة ممثل السلطة، و أوامره و تعليماته، ولو أنه أمرهم أن لا يصلوا خلف الحسين عليه السلام لفعلوا، و لو أنه أمرهم أن يستمعوا اليه جيدا و يستجيبوا له، و كان هو أول من يبادر الي ذلك، لكانوا ربما قد استجابوا و تركوا موقفهم المناوي ء له، و اذ أن شيئا من ذلك لم يحصل فانهم ظلوا مستسلمين لمخاوفهم و أوهامهم و جهلهم، منقادين كالأنعام اذ تسير خلف رعاتها دون وعي أو ارادة.

كانت كلمات الحسين عليه السلام بعيد الصلاة و قبيلها، و في لحظات لابد أن يكونوا فيها أقرب ما يكونوا الي الله و دينه و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، مختارة و منتقاة، فقد ذكرهم بآل بيت الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الذين يشخص ممثلهم و بقيتهم و هو الحسين عليه السلام أمامهم، و هو يسعي لتغيير أوضاعهم، و ازالة سبب الانحراف من طريقهم، و يدعوهم لنصرته في مسعاه الكبير هذا.

و كانت لحظات الصلاة خلفه حرية بأن تعيدهم الي وعيهم و الي حقيقة الاسلام التي جعلت من حب آل البيت و موالاتهم و السير علي طريقهم ضمانة من كل انحراف و زيغ و ضياع، و اذ فاتتهم فرصة استيعاب خطبتيه، فقد أتاح لهم فرصة أخري بعد مرحلة أخري من الطريق و أسمعهم كلمات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بخصوص السلطان الجائر، و ما ينبغي علي المسلمين فعله تجاهه، و بين لهم شكل الدولة التي يعيشون في ظلها، و كيف أن ممارساتها و ممارسات أقطاب حكمها الذين (لزموا طاعة الشيطان، و تركوا طاعة الرحمن، و أظهروا الفساد، و عطلوا الحدود، و استأثروا بالفي ء، و أحلوا حرام الله، و حرموا حلاله) [3] تجعل منها دولة غير اسلامية بل معادية للاسلام، و ان حملت اسمه و ادعت أنها تدين به، كما بين لهم مركز القيادي و فهمه للاسلام و قربه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.


غير أن بقية خطبته عليه السلام دلت علي أنه قد أصبح علي يقين من تخاذلهم و استسلامهم و تراجعهم، و أنهم لن يكونوا معه لانجاز مهمة التغيير المنشود، و لن يكون معه سوي أصحابه الذين وجه اليهم الخطاب بعد ذلك بقوله:

(ألا ترون أن الحق لا يعمل به، و أن الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فاني لا أري الموت الا شهادة و لا الحياة مع الظالمين الا برما). [4] .

و قد رأي أصحابه ما رأي و أبدوا استعدادهم لنصرته و السير معه حتي النهاية، و حتي الاستشهاد بين يديه.

و عندما عزم أعداؤه علي الهجوم عليه بعد الأمر الصادر من ابن زياد عصر اليوم التاسع من محرم، أرسل أخاه العباس عليه السلام لمناورتهم و تأخيرهم قائلا له:

(ارجع اليهم فان استطعت أن تؤخرهم الي غدوة و تدفعهم عند العشية، لعلنا نصلي لربنا الليلة و ندعوه و نستغفره، فهو يعلم أن قد كنت أحب الصلاة له و تلاوة كتابه و كثرة الدعاء و الاستغفار). [5] .

كانت أعز أمنية عند الحسين و أصحابه، لم يكن يهمهم متي قتلوا، غير أنهم أرادوا أن يختموا حياتهم بلقاء مع الله يصلون و يتلون القرآن و يدعون و يستغفرون، و كان ذلك هو الشي ء الوحيد الذي أحبه الحسين عليه السلام طيلة حياته.

و عندما وجد ابن سعد أنه يستطيع تأخير القتال حتي اليوم التالي، وافق علي ذلك.

(فلما أمسي حسين و أصحابه قاموا الليل كله يصلون و يستغفرون، و يدعون و يتضرعون، و ان حسينا ليقرأ: (و لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما و لهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين علي مآ أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب)..). [6] .

و قد رد أحد السكيرين العابثين من أصحاب ابن سعد من الذين كانوا يراقبون مخيم الامام بقوله:


(نحن و رب الكعبة الطيبون، ميزنا منكم). [7] .

و قد تعرف عليه بربر بن خضير و أراد ارشاده و دعوته الي التوبة و قد جري بينهما الجوار التالي:

(قال له برير بن خضير: يا فاسق أنت يجعلك في الطيبين؟

فقال له: من أنت؟

قال: انا بربر بن خضير.

قال: أنا لله، عز علي، هلكت والله يا برير.

قال: يا أبا حرب، هل لك أن تتوب الي الله من ذنوبك العظام؟ فوالله انا لنحن الطيبون، ولكنكم لأنتم الخبيثون.

قال: و أنا علي ذلك من الشاهدين.

قال: ويحك، أفلا ينفعك معرفتك.

قال: فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزي، ها هو ذا معي.

قال: قبح الله رأيك علي كل حال، أنت سفيه، ثم انصرف عنا). [8] .

تري ما هي دوافع أبي حرب السبيعي و هو اسم هذا الماجن من قتال الحسين عليه السلام، مع أنه يعرف حقيقة المعسكر الذي ينتمي اليه، و المعسكر الذي يحاربه؟ هل كان وقوفه مع جيش بن زياد الي جانب يزيد انتصارا للاسلام؟

هذا ما أجاب عنه أبوحرب نفسه.

و في صبيحة عاشوراء (عبأ الحسين أصحابه، و صلي به صلاة الغداة). [9] .

و عند اشتداد القتال و مصرع عدد من أصحاب الحسين عليه السلام، انبري أحد أصحابه، أبوثمامة عمرو بن عبدالله الصائدي فقال له:

(يا أباعبدالله، نفسي لك الفداء. اني أري هؤلاء قد اقتربوا منك، و لا و الله لا تقتل حتي أقتل دونك ان شاء الله، و أحب أن ألقي ربي و قد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها.


فرفع الحسين رأسه، ثم قال: ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين الذاكرين. نعم هذا أول وقتها، سلوهم أن يكفوا عنا حتي نصلي). [10] .

و مع ذلك فلم يعدموا شخصا مثل أبي حرب السبيعي، فقد تصدي لهم الحصين بن تميم بقوله: (انها لا تقبل. فقال له حبيب بن مظاهر: لا تقبل زعمت الصلاة من آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لا تقبل، و تقبل منك يا حمار؟). [11] .

(ثم صلوا الظهر، صلي بهم الحسين صلاة الخوف، ثم اقتتلوا بعد الظهر فاشتد قتالهم و وصل الي الحسين، فاستقدم الحنفي أمامه، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يمينا و شمالا قائما بين يديه، فما زال يرمي، حتي سقط). [12] .

كان حرصهم علي أداء الصلاة في هذا الموقف الصعب يعني انتماءهم انتماءا حقيقيا للاسلام و حرصهم علي التمسك بكل فرائضه و أحكامه، و لم يكونوا يرون أي معني لجهادهم و استشهادهم ان هم تركوها، لم تكن مظهرا من مظاهر الرياء و الخداع التي لجأ اليها غيرهم للتقرب بها من المسلمين، فما كان أبعد في ذلك الموقف الذين أوشكوا فيه علي ملاقاة الموت عن الرياء و النفاق، و ما كان أقربهم من الله و هم ملاقوا وجهه الكريم بعد لحظات.



پاورقي

[1] الطبري 306 / 3.

[2] الطبري 306 / 3.

[3] الطبري 307 / 3.

[4] المصدر السابق.

[5] الطبري 315 / 3.

[6] الطبري 317 / 3.

[7] المصدر السابق.

[8] المصدر السابق.

[9] الطبري 317 / 3، و ابن‏الأثير 417 / 3.

[10] الطبري 328 / 326 / 3، و ابن‏الأثير 426 / 425 / 3. (و قد روي أن الحسين عليه‏السلام قال لزهير بن القين و سعيد بن عبدالله «تقدما أمامي حتي اصلي الظهر» فتقدما أمامه في نحو من نصف اصحابه حتي صلي بهم صلاة الخوف. و روي أن سعيد بن عبدالله الحنفي. تقدم أمام الحسين عليه‏السلام فاستهدفوا له يرمونه بالنبل. فکما جاءت السهام نحو الحسين يمينا و شمالا، قام بين يديه، فما زال بتلقي النبل بنحره و صدره حتي اثخن بالجراح و سقط علي الارض و هو يقول: اللهم العنهم لعن عاد و ثمود، الله ابلغ نبيک عني السلام، و ابلغه ما لقيت من الجراح، فاني اردت بذلک ثوابک في نصرة ذرية نبيک محمد صلي الله عليه و آله و سلم ثم التفت الي الحسين عليه‏السلام قائلا: «اوفيت يا ابن‏رسول الله؟» قال الحسين: نعم انت امامي في الجنة) الخوارزمي 17 / 2، و اللهوف ص 47 / 43، و نهاية الارب 451 / 20، و مقتل العوالم 88، و ذخيرة الدراين للحائري ص 178.

[11] الطبري 328 / 326 / 3، و ابن‏الأثير 426 / 425 / 3. (و قد روي أن الحسين عليه‏السلام قال لزهير بن القين و سعيد بن عبدالله «تقدما أمامي حتي اصلي الظهر) فتقدما أمامه في نحو من نصف اصحابه حتي صلي بهم صلاة الخوف. و روي أن سعيد بن عبدالله الحنفي. تقدم أمام الحسين عليه‏السلام فاستهدفوا له يرمونه بالنبل. فکما جاءت السهام نحو الحسين يمينا و شمالا، قام بين يديه، فما زال بتلقي النبل بنحره و صدره حتي اثخن بالجراح و سقط علي الارض و هو يقول: اللهم العنهم لعن عاد و ثمود، الله ابلغ نبيک عني السلام، و ابلغه ما لقيت من الجراح، فاني اردت بذلک ثوابک في نصرة ذرية نبيک محمد صلي الله عليه و آله و سلم ثم التفت الي الحسين عليه‏السلام قائلا: «اوفيت يا ابن‏رسول الله؟» قال الحسين: نعم انت امامي في الجنة) الخوارزمي 17 / 2، و اللهوف ص 47 / 43، و نهاية الارب 451 / 20، و مقتل العوالم 88، و ذخيرة الدراين للحائري ص 178.

[12] الطبري 328 / 326 / 3، و ابن‏الأثير 426 / 425 / 3. (و قد روي أن الحسين عليه‏السلام قال لزهير بن القين و سعيد بن عبدالله «تقدما أمامي حتي اصلي الظهر) فتقدما أمامه في نحو من نصف اصحابه حتي صلي بهم صلاة الخوف. و روي أن سعيد بن عبدالله الحنفي. تقدم أمام الحسين عليه‏السلام فاستهدفوا له يرمونه بالنبل. فکما جاءت السهام نحو الحسين يمينا و شمالا، قام بين يديه، فما زال بتلقي النبل بنحره و صدره حتي اثخن بالجراح و سقط علي الارض و هو يقول: اللهم العنهم لعن عاد و ثمود، الله ابلغ نبيک عني السلام، و ابلغه ما لقيت من الجراح، فاني اردت بذلک ثوابک في نصرة ذرية نبيک محمد صلي الله عليه و آله و سلم ثم التفت الي الحسين عليه‏السلام قائلا: «اوفيت يا ابن‏رسول الله؟» قال الحسين: نعم انت امامي في الجنة) الخوارزمي 17 / 2، و اللهوف ص 47 / 43، و نهاية الارب 451 / 20، و مقتل العوالم 88، و ذخيرة الدراين للحائري ص 178.