بازگشت

تمهيد


أكد الحسين عليه السلام أثناء معركة الطف و قبلها علي ابراز القيم الحقيقية للمارسات العبادية و في مقدمتها الصلاة و الدعاء. و هي مسألة تربوية مهمة تستلفت الأنظار، و تدعو من يخوضون غمار الحديث عن هذه الثورة للتأمل و النظر.

فقد جعل الحسين عليه السلام و هو في غمرة انشغاله بالحصار و المعركة أصحابه يفكرون بأداء الصلاة و اقامتها خلفة جماعة، أمام أنظار الجيش المناوي ء رغم مخاطر الموت و الجراحة التي كانوا يتعرضون لها، و قد أراد بذلك لفت الأنظار الي حقيقة كبيرة: و هي أن الصلاة تعتبر هوية المسلم الأولي، و هي المدخل للاسلام، و الي أداء بقية شعائره و تعاليمه، اذ لم يجعل الله سبحانه و تعالي سبيلا الي قبول عمل الفرد المسلم ما لم تكن الصلاة قد سبقته، و ما لم يكن قد أداها و التزم بشروطها و واظب عليها، لقد اعتبرها الله جل و علا مقدمة لكل أعمال الانسان الطيبة المتقبلة، و جعلها شرطا لقبول هذه الأعمال و الاثابة عليها. [1] .

و قد يروح أناس في غمرة الحماس و الاعجاب بالموقف البطولي الذي وقفه الحسين و أصحابه عليه السلام في واقعة الطف، يعجبون من التفاته عليه السلام في ذلك الظرف الدقيق، الي ضرورة أداء هذه الفريضة في وقتها المحدد، و قد يرون أنه ربما يستطيع أن يؤجلها أو يؤخرها أو يهملها [2] ، لأنه مشغول بالقتال، الا أن من يعرف حقائق الأمور، و طبيعة المعركة التي كان يخوضها الي جانب الاسلام و في سبيله، يري في


ذلك أمرا طبيعيا، فلأية غاية قاتل الحسين عليه السلام و أصحابه و استرخصوا دماءهم و حياتهم؟ هل قاتلوا للحصول علي مغنم أو مكسب شخصي؟

لابد أن الأمر لم يكن كذلك، لأنهم لو قاتلوا لهذا السبب لكانوا قد تراجعوا أو استسلموا أو هربوا و هم يرون تفوق عدوهم و سعيه لقتلهم و استئصالهم، و لما كانوا قد ذهبوا الي حد الاستشهاد، و كان سيحققون المغنم و المكسب الشخصي، لو وضعوا أيديهم بيد يزيد و استسلموا لابن زياد و لساوموا في أقل الأحوال، و اذا فلا أحد يستطيع أن يدعي ذلك.

غير أنهم قاتلوا من أجل اقامة دعائم الدين و ترسيخ اليقين بالله سبحانه و تعالي، و الصلاة هي أول دعامة، و هي العمود الأول للدين، ان قبلت قبل ما سواها و ان ردت رد ما سواها.

و قد كانت معركتهم تلك ستغدو مهزلة، و كان موتهم سيبدو عبثا لو أنهم أهملوا الصلاة و لم يقيموها، فمن أجلها قاتلوا، فكيف يستطيعون تركها و من يبيح لهم ذلك خصوصا و أنهم مقبلون علي موت محتم بعد لحظات، و حتي تأجيلها سيبدو أمرا غير ممكن أما هذا الموت المحتم.

لقد رأينا تشديد القرآن الكريم علي الصلاة و اقامتها و الحث عليها و اعتبارها مدخلا لبقية العبادات و الأعمال، و رأينا اهتمام الرسول صلي الله عليه و آله و سلم باقامتها و تعويد المسلمين عليها، و حثهم علي التمسك بها كأفضل الأعمال و خيرها.


پاورقي

[1] تحدثنا عن الاثار التربوية للصلاة في کتابنا منهاج الاسلام في التربية المطبوع عام 1974 م بغداد و کتابنا المخطوط منهاج القرآن في التربية ف 3 خصائص التربية القرآنية الذي کتبته في مخيم رفحاء للاجئين العراقيين.

[2] کما طلب ذلک احد المقاتلين مع أميرالمؤمنين عليه‏السلام منه في احدي المعارک التي کان يخوضها دفاعا عن الاسلام.