بازگشت

حوارات أصحاب الحسين آفاق واسعة


و لعلنا نستطيع «عند الحديث عن أصحاب الحسين عليه السلام»، أن نستعرض مواقفهم بتفصيل أكثر، لنجد عمق التأثير الذي تركته فيهم أقواله و مواقفه، و كيف أنه أتاح لهم الفرصة للحوار و الحديث مع أفراد الجيش المعادي، ليبدو واضحا أمام الأمة أن أمر انحيازهم لم يكن أمرا عاطفيا بحتا، و ان غلبت عليه العاطفة و الحب الشديد له، الي حد تقديم أنفسهم بين يديه فداء له، غير أنهم بذلك كانوا يفدون الاسلام أيضا


كما يفديه هو، و قد بدت تضحيته بالتالي أكبر من تضحياتهم مهما بلغت، و ذلك كان سر ولائهم له، و اسراعهم للموت بين يديه.

لقد استمعنا خلال المعركة الي حوارات عديدة بين يزيد بن زياد الكندي و العباس بن أميرالمؤمنين عليه السلام، و زهير بن القين و حبيب بن مظاهر و الحر و برير بن خضير و هلال بن نافع الجملي و حنظلة بن أسعد الشبامي و غيرهم، و بين أهل الكوفة ممن استنفروا لقتالهم، و كانت الأحاديث و الحوارات متنوعة و في مواضيع شتي، و قد أفحم من كانت الحجة معه و الحق الي جانبه من كان مبطلا و ضعيفا و مستسلما لأسياد السوء و الضلال، دون أن يكون علي بينة من أمره.

و قد ظهر فيها عجر أعوان ابن زياد عندما لجأوا الي الشتيمة والشماتة، و وجهوا سهامهم و سيوفهم تجاه محاوريهم القلة الأقوياء، و رأينا هدوء هؤلاء و استقرارهم و ثباتهم و يقينهم و سعادتهم، فلم تهزهم مناظر القتل و التدمير و الجيش المدجج المحتشد لهذه الغاية، و لم ينل منهم الجوع و العطش، و لم يرهبهم الموت الذي كانوا مقبلين عليه، بل كانوا يرون فيه النهاية السعيدة لكفاحهم من أجل الحق و العقيدة الاسلامية، التي حاول تشويهها و تزويرها و مصادرتها سدنة السلطة و خدم العرش الفرعوني الجديد، و لم تزعزع ايمانهم الكثرة الضالة، فحسبهم سعادة أنهم فهموا و أدركوا أبعاد نهضتهم خلف الحسين عليه السلام، و وجدوا في أنفسهم القوة للالتحاق به و نصرته دون بقية أبناء الأمة الآخرين.

ان أفقا واسعا يطل علينا من خلال الحوارات و النقاشات و الكلمات التي دارت بين الحسين و أصحابه عليه السلام، و بينهم و بين بعضهم الآخر، و بينهم و بين أعدائهم، و قد أفادتنا تلك الحوارات للاطلاع علي حقيقة الرجال الذين كان لهم أشرف دور في تارخ المعارك، و علي نفسياتهم و شخصياتهم و ما انطوت عليه نفوسهم من ضعف و هبوط، فكأننا من خلال تلك الحوارات، نراقب المعركة و نحضر في ساحة الأحداث و كأنها تجري أمامنا و تحت أسماعنا و أبصارنا.

لقد أشرك الحسين عليه السلام أصحابه في شؤون المعركة، و جعلهم يأخذون دورهم الايجابي للدفاع عن موقفهم و اقناع أبناء الأمة الآخرين بالتخلي عن ضعفهم و استسلامهم و الانضمام اليهم.


و بذلك أثبت أن هذه المعركة، التي شاركت فيها فئة من أبناء هذه الأمة دون أن تكون لها مصلحة شخصية في ذلك، بل لعلها ستعاني و تتعرض لأشد المواقف صعوبة، ليست معركته خاصة، يخوضها في حرب منافسة مع يزيد، بل معركة الاسلام الذي انحازت اليه أقلية من أبناء الأمة بمواجهة الكفر و الانحراف و الطغيان، الذي جعل الأغلبية من أبناء الأمة تخضع له، و لا تجد في نفسها القوة و الجرأة علي مواجهته.

و بعد، أليست كل الدلائل تشير الي أن المعركة كانت كذلك؟