بازگشت

الحر الرياحي يحاجج جيش ابن زياد


و كان حوار الحر مع أصحابه القدامي، بعد أن اختار الوقوف الي جانب الحسين عليه السلام في أدق مرحلة كانت تشهدها المعركة، أي عندما أحاط جيش ابن زياد معسكر الحسين عليه السلام، يدل علي حس الحر المرهف و شعوره بحقيقة المعركة، فلابد أنه اختار الوقوف الي جانب المعسكر المنتصر، و هو معسكر الحسين عليه السلام كما بدا واضحا أمام الحر، فهذه الجماعة القليلة التي جعجع بها، و نفذ أوامر ابن زياد بشأنها، تبدو صلبة متماسكة خلف قائدها الحسين، و لم يكن يبدو أن جلبة الجيش و رنين الأسلحة و بريقها يخيفها أو يؤثر فيها، بل بدت علي العكس من ذلك مطمئنة هادئة، و كان يبدو أن ما ستلقاه يلوح لها هدفا عزيز المنال، و أنها تسعي له باشتياق،


فهذه فئة تنصر الاسلام حقا و لا تبالي بالقتل و الموت.

فأي أمر منعه هو من الالتحاق بها، بل و معاداتها و الوقوف الي جانب من شنوا الحرب عليها؟ و هل أن هذا الجمع الكثيف الذي يقوده ابن زياد، هو الذي كان الي جانب الحق؟ لا شك أن هذا أمر لا يصدقه الحر، و عندها كانت الغشاوة ترتفع عن عينيه نهائيا، ليعرف من كانوا الي جانب الاسلام حقا، و من كانوا أعداءه، و عندها اختار جانب الاسلام مع أن عاقبة الموت بدت له وشيكة، و أنه كان قاب قوسين أو أدني منه.

لقد أخذه مثل العروراء و هي الرجفة الشديدة، علي حد وصف أحد شهود العيان، الذي رأه قبل انتقاله الي معسكر الحسين عليه السلام، و عندما استفسر منه عن سبب ذلك قال:

(ان و الله أخير نفسي بين الجنة و النار، و والله لا أختار علي الجنة شيئا و لو قطعت و حرقت، ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين عليه السلام). [1] .

و قد اعتذر منه بعد أن جاءه تائبا مما كان منه الي ربه، و مواسيا له بنفسه حتي يموت بين يديه، و الا فهل كان غير الموت ينتظره في ذلك الموقف؟

و قد عرض علي الحسين أن يقاتل حالا.

و اذ علم الحر أنه سيموت لا محالة، و قد أثبت لجيش ابن زياد كله أنه بانحيازه الي جانب الحسين عليه السلام قد اختار الموقف الصحيح، فانه رأي أن يتوجه بالخطاب الي أصحاب الأمس، فلا شك أن كلامه سيكون أبلغ، و قد كان معهم حتي هذه اللحظة، و ان حجته ستكون قوية، بل قاطعة.

لقد حاول أن يجعل أصحابه يعدلون عن موقفهم، و ترك قتال الحسين عليه السلام، فوجد أن ارادتهم مقيدة بارادة قائد الجيش عمر بن سعد الذي صرح أمام الحر أنه لا يستطيع أن يفعل شيئا، و أنه مقيد بسلطة أعلي من سلطته، و هي قوة ابن زياد الجاثم في الكوفة،

و عندما أيس الحر من اقناعهم، و وجد أنهم كانوا خائفين و مستسلمين، بل و منسحقين تحت وطأة الخوف الهائل من ممثل يزيد، قال لهم:


(يا أهل الكوفة، لأمكم الهبل و العبر، اذ عوتموه حتي اذا أتاكم أسلمتموه، و زعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه، و أخذتم بكظمه، و أحطتم به من كل جانب، فمنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة حتي يأمن و يأمن أهل بيته، و أصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا، و لا يدفع ضرا، و حلأتموه و نساءه و صبيته و أصحابه عن ماء الفرات الجاري، الذي يشربه اليهودي و المجوسي و النصراني، و تمرغ فيه خنازير السواد و كلابه، وها هم أولاء قد صرعهم العطش. بئسما خلفتم محمدا في ذريته، لأسقاكم الله يوم الظمأ ان لم تتوبوا و تنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه). [2] .

كان الحر يري و قد اغتنم آخر فرصة متاحة ليلتحق بالحسين عليه السلام أن هذه الفرصة توشك أن تفلت من بين أيدي أصحابه القدامي، ان لم يتوبوا و ينزعوا عما هم عليه حالا، و الا فأي معني لتوبتهم سيكون فيما بعد، ان هم أصروا علي تنفيذ جريمتهم، و قتل الحسين و أصحابه عليه السلام.

و اذ يقف هو نفسه و قد تاب في صف أصحاب الحسين عليه السلام، فان موقفه نفسه سيكون شاهدا علي جريمتهم، و سيرهم المتعمد خلق أقطاب الانحراف و الكفر، و لن يجدوا أبدا الكلمات الواضحة التي يمكن أن يردوا بها علي أقوال الحر و حججه و موقفه، غير أنهم حنقوا عليه، و قد رأوا أنه استطاع التخلص مما لم يستطيعوا هم التخلص منه. (فحلمت عليه رجالة لم ترميه بالنبل، فأقبل حتي وقف أمام الحسين). [3] .


پاورقي

[1] الطبري 320 / 3.

[2] الطبري 321 / 3.

[3] الطبري 321 / 3.