بازگشت

زهير بن القين يخطب في القوم ثانية


لقد برز زهير اليه قبيل زحفهم علي الحسين علي فرس له ذنوب، شاك في السلاح. فقال:

(يا أهل الكوفة، نذار لكم من عذاب الله نذار. ان حقا علي المسلم نصيحة أخيه المسلم. و نحن حتي الآن أخوة، و علي دين واحد و ملة واحدة، ما لم يقع بيننا و بينكم السيف، و أنتم للنصيحة منا أهل. فاذا وقع السيف فانقطعت العصمة، و كنا أمة و أنتم أمة. ان الله قد ابتلانا و اياكم بذرية نبيه محمد صلي الله عليه و آله و سلم لينظر ما نحن و أنتم عاملون، انا ندعوكم الي نصرهم و خذلان الطاغية عبيدالله بن زياد، فانكم لا تدركون منهما الا بسوء عمد سلطانهما كله، ليسملان أعينكم، و يقطعان أيديكم و أرجلكم، و يمثلان بكم، و يرفعانكم علي جذوع النخل، و يقتلان أماثلكم و قراءكم، أمثال حجر بن عدي و أصحابه، و هاني ء بن عروة و أشباهه). [1] .

كان كلام زهير كلام القوي المقتدر المؤمن بهدفه المدافع عنه يبدو محاولة مخلصة لتوفير حياة أعدائه و جهدهم، و كانوا بنظره هم المعرضين للخطر لا هو و أصحابه القلائل الذين وقفوا الي جانب الحسين عليه السلام، و لم يكن في كلامه ما يشير الي أنه كان يشعر بأدني خوف منهم، بل أنه كان يخاف عليهم، يخاف أن يخرجوا من ملة الاسلام، فيصبحوا أمة غريبة لا تنتمي اليه و لا تدين به.

و قد دعاهم صراحة الي نصرة الحسين عليه السلام و خذلان الطاغية عبيدالله بن زياد، و كان استعراضه لبعض أفعاله و أفعال أبيه من قبل، و عدم تحرجه من نعته بالطاغية يدل علي أنه لم يكن أمامه الا شبحا هزيلا غير جدير أن يخاف منه حتي أضعف الناس، فكيف به، هو الذي حمل قضية الامام الحسين عليه السلام، و تبني قضية الاسلام الذي أو شك أن يدمر و يبعد عن الحياة.

و لا شك أن موقف كل واحد من أصحاب الحسين عليه السلام كان مشابها لموقف زهير، و الا لما اندفعوا وراءه ذلك الاندفاع البطولي، و بذلوا انفسهم نفسه.

و لا شك أن من أرتضي الانحياز ليزيد و حزبه، كان يري في كلام زهير شتيمة له هو شخصيا، و ادانة له خاصة، و لم يكن من المتوقع أن يسكت هؤلاء عن كلام زهير


و أن لا يردوا عليه، و اذا افتقدوا الرد الموضوعي المنطقي، فلابد أنهم سيلجأون الي أسلوب الشتائم و السباب، يحاولن به اسكاته و منعه من الاستمرار في كلامه، لكي لا يتأثر به من يستمع اليه.

(فسبوه، و أثنوا علي عبيدالله بن زياد، و دعوا له، و قالوا: و الله لا نبرح حتي نقتل صاحبك و من معه، أو نبعث به و بأصحابه الي الأمير عبيدالله سلما). [2] .

كان جوابا لا يدل علي وعي أو فهم، و قد بدا أن قائليه من استسلموا نهائيا، و لم يعودوا يرون أمامهم الا سلطان يزيد، و قوة يزيد و ممثل يزيد، و لم يحاول أحد منهم أن يقنعه كما حاول هو اقناعهم، بالعدول عن موقفه و الانضمام اليهم، لأنهم كانوا يتبنون موقفا عادلا و نزيها و قريبا الي الاسلام.

و قد توجه اليهم مرة أخري قائلا:

(عباد الله، ان ولد فاطمة رضوان الله عليها أحق بالود و النصر من ابن سمية، فان لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم). [3] .

كانت المقارنة بين أبناء سيدة نساء العالمين و من أذهب الله عنها الرجس و طهرها تطهيرا. و بين ابن البغي المشهورة سمية، صاحبة الراية في الجاهلية كفيلة باثارة كل من يشعر بانتماء حقيقي لهذا الدين الحنيف..، فهل من المعقول أن يتخلي الناس عن أبناء فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و يختارون نصر ابن سمية، و يذهبون الي المدي الذي ينفذون به كل رغباته و في مقدمتها قتل الحسين و آله و أصحابه؟

كان أمرا مخجلا حقا و مثيرا حقا، و لم يكن بالامكان مواجهته الا بنبذ الخجل و الحياء تماما، و اظهار الوقاحة الجديرة بابن زياد و حاشيته، مثل شمر الذي رماه بسهم و قال له:

(اسكت، أسكت الله نأمتك، أبرمتنا بكثرة كلامك. فقال له زهير: يابن البوال علي عقبيه، ما اياك أخاطب، انما أنت بهيمة، و الله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين. فأبشر بالخزي يوم القيامة و العذاب الأليم.


فقال له شمر: ان الله قاتلك و صاحبك عن ساعة.

قال: أفالبموت تخوفني، فوالله للموت معه أحب الي من الخلد معكم، ثم أقبل علي الناس رافعا صوته فقال: عباد الله، لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي و أشباهه، فوالله لا تنال شفاعة محمد صلي الله عليه و آله و سلم قوما هراقوا دماء ذريته و أهل بيته، و قتلوا من نصرهم و ذب عن حريمهم). [4] .

أصبح زهير، كما أصبح الحسين عليه السلام صاحب قضية واضحة، و ما أرادت يد الانحراف السوداء اخفاءه عنه طيلة حياته، بدا أمامه واضحا الآن، فالحسين عليه السلام يحمل قضية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسها بمواجهة الجاهلية القديمة، التي يلبسها يزيد ثوبا اسلاميا في ظاهره، و قد نسجه معاوية من أباطيله و أضاليله، و ترك الناس حياري في أمره، و لا بل لكل مخلص للاسلام و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، أن يحمل هذه القضية و أن يدافع عنها مهما كان الثمن.

و اذا ما كان أمثال ابن زياد، يجدون دائما أمثال شمر يدافع عنهم بالسباب و القول البذي ء الفاحش، و يشهر السيف بوجه أعدائهم، فليس معني ذلك أنهم علي حق، و الا فلماذا لا يلجأون الي الحجة القوية الدامغة، يسكتون بها حجج أعدائهم من أمثال زهير، اذا ما كانت لديهم مثل تلك الحجة.؟


پاورقي

[1] الطبري 320 / 319 / 3، و تراجع بقية المصادر التي ذکرناها في هذه الدراسة.

[2] المصدر السابق.

[3] الطبري 320 / 3.

[4] المصدر السابق.