بازگشت

زهير بن القين يتصدي للرد علي أحد أصحاب ابن سعد


و هنا تصدي زهير للرد علي عزرة، و قد دار بينهما حوار جدير بالتأمل:

(قال له زهير: يا عزرة، ان الله قد زكاها و هداها، فاتق الله يا عزرة، فاني لك من الناصحين. أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلال علي قتل النفوس الزكية.

قال: يا زهير، ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت. انما كنت عثمانيا.

قال: أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم. أما و الله ما كتبت اليه كتابا قط، و لا أرسلت اليه رسولا قط، و لا وعدته نصرتي قط، ولكن الطريق جمع بيني و بينه، فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و مكانه منه، و عرفت ما يقدم عليه من عدوه و حزبكم، فرأيت أن أنصره، و أن أكون في حزبه، و أن أجعل نفسي دون نفسه، حفظا لما ضيعتم من حق الله و حق رسوله عليه السلام). [1] .

كان جواب زهير يدل علي أنه اختار موقفه بوعي - و انه انجاز للحسين عليه السلام بعد أن التقي به في الطريق - و قد وازن في ذهنه بين موقف الحزب الأموي الذي حشد


كل هذه الجموع لقتال الحسين عليه السلام، و بين موقف الحسين عليه السلام سليل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ممثله الحقيقي، و هو يسعي رغم قلة أعوانه و كثرة عدوه، لمنع الانحراف و ايقافه، فقرر أن يكون الي جانب الحسين و أن ينصره و يكون من جماعته و في حزبه علي حد تعبيره طالما أن حزبه هو حزب الله. و بدا أن قراره هذا كان نهائيا لا رجعة فيه، و ان كان ثمن ذلك سيكون الموت دونه، و هو ثمن باهظ دون شك، غير أنه يهون دون القضية الكبيرة التي رفعها الحسين عليه السلام، و قرر فيها أن يخترق الحشد الكافر الكثيف الذي نظم صفوفه للقضاء علي الاسلام قضاء نهائيا.

كانت حجة زهير واضحة و كان جوابه مقنعا، فهو لم يكترث بعشرات الآلاف من الجند الذين جمعوا لمواجهة الحسين و أصحابه و قتلهم، و كانت حياة الحسين وحده لها قيمة حقيقية بنظره، فهو ممثل الرسالة و حاملها الأول، و هو العالم الرباني و وريث علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هو المؤهل الوحيد لقيادة الأمة و انقاذها من الانحراف و الضلال، و ستكون الأمة باقدامها علي التخلي عنه و قتله قد أقدمت علي أكبر جريمة بحق الاسلام، و تكون قد فقدت مبرر وجودها و قيامها كأمة اسلامية، تتمسك برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حقا و تواليه، و توالي أولياءه و تعادي أعداءه، و الا فانه أمر غريب أن تقدم الأمة المسلمة علي قتل قائدها دون مبرر، اللهم الا استجابة لأوامر أعداء الاسلام، و هو أمبر بدا أن زهير لا يمكن أن يهضمه أو يقره، فهم بذلك يضيعون حق الله و حق رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، و هو لا يريد أن يضيع من حقهما شيئا، و لا يريد الا أن يري الاسلام صافيا بالمنظار الذي أراده الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم أن يراه منه.

و لم يكن ذلك آخر كلام وجهه زهير لأفراد جيش ابن سعد، و ربما كان يحسب أنهم سيتحولون، بنفس السهولة التي تحول هو بها الي جانب الحسين عليه السلام، و قد كان قبل ذلك عثمانيا، أي أمويا يتبني فلسفة معاوية و نظرته، و ربما حسب أنهم يملكون وعيا و قدرة فائقة علي الفهم كوعيه و فهمه هو، ليدركوا بعد استماعهم الي عبارات أو كلام بسيط واضح ككلامه هو معه أنهم كانوا علي خطأ، كما أدرك خطأه بعد استماعه الي كلام الحسين عليه السلام.

و قد تكلم الحسين عليه السلام معهم أيضا، و حاول اقناعهم بالتخلي عن دولة الظلم و الانحراف، و الالتحاق به، و كان ذلك كافيا بنظر زهير ليتحولوا الي صفه، و الا فانهم اذا فعلوا العكس، و ظلوا علي موقفهم المعادي له، فانهم بذلك يعلنون عداءهم للاسلام و لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.



پاورقي

[1] الطبري 314 / 3.