بازگشت

خطاب زهير بن القين بذي حسم


ألقي زهير بن القين خطابه (بذي حسم) بعيد سماعه خطاب الامام الحسين عليه السلام [1] الذي وجهه لأصحابه، و كان زهير ذا ميول عثمانية علي حد تعبير أحد جنود ابن سعد، و لم يكن من أصحاب الحسين الأوائل، (و لم يكن شي ء أبغض اليه من أن يسايره في منزل)، و قد التحق بالحسين في المراحل الأخيرة من الطريق، كان خطابه يدل علي وعي تام بما استهدفه الحسين من ثورته، رغم الفترة الزمنية القصيرة التي قضاها معه، و علي فهم للمهمة التي يكاد فصلها الأخير أن ينجز في الطف.

كان زهير بن القين يبدون بمظهر المبتهج بموقفه الجديد الي جانب الحسين عليه السلام مع أنه كان يعد من أعدائه في السابق، و رغم كل ما قد يجره هذا الموقف من متاعب قد تنتهي بالموت، الذي بدا نتيجة طبيعية لمسعي الحسين الكبير، للوقوف بوجه الانحراف و منعه، فان زهير بدا دائما بمظهر القيادي البارز الذي يشهر أسلحته كلها في المعركة.

خاطب أصحابه بعيد سماعه خطاب الحسين عليه السلام قائلا:

(تكلمون أم أتكلم؟ قالوا: لا بل تكلم، فحمدالله و أثني عليه ثم قال:

قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقالتك، و الله لو كانت الدنيا لنا باقية و كنا فيها مخلدين، الا أن فراقها في نصرك و مواساتك، لآثرنا الخروج معك علي الاقامة فيها). [2] .

كان خطاب الحسين عليه السلام لأصحابه يبدو و كأنه مناجاة لهم اختصهم بها دون الأمة، فخطاباته العامة الأخري، كان معظمها موجها لأفراد الجيش المستنفر لقتاله، و كانوا يبدون و كأنهم الوحيدون المؤهلون لفهمه و استيعابه، و لم يكن عليهم أن


يجيبوه بخطابات مطولة يبدون فيها استعدادهم لنصره و مواساته، فمسيرهم معه الي نهاية الشوط دليل أكيد علي ذلك، غير أنهم لابد أن يعبروا عن شعورهم تجاهه، و لابد من كلمة، تري الأمة كلها من خلالها مدي استعدادهم لنصرة الحسين عليه السلام و هو ينصر الدين.

و كانت كلمة زهير تعبر عن عاطفة الولاء الصادق للاسلام، اذ تشيد بالحسين تلك الاشادة و تعبر عن استعداد أصحابه للموت معه.

فعندما عزم ابن سعد علي الهجوم علي معسكر الحسين عليه السلام بعد صلاة عصر اليوم التاسع من محرم، أرسل الحسين أخاه العباس في عشرين فارسا فيهم زهير بن القين و حبيب بن مظاهر، ليستقبل ابن سعد و جنده و يسألهم عن سبب قدومهم، فأخبر أن أوامر ابن زياد وردت، و فيها يعرض علي الحسين و أصحابه النزول علي حكمه أو منازلتهم، و عندما عاد العباس عليه السلام بالخبر الي الحسين عليه السلام بقي أصحابه يخاطبون القوم.

و قد عرض حبيب علي زهير أن يكلمهم أولا ان شاء، الا أن زهير طلب منه أن يكون هو البادي ء.

(فقال لهم حبيب بن مظاهر: أما و الله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه عليه السلام و أهل بيته صلي الله عليه و آله و سلم، و عباد أهل هذا المصر المجتهدين بالاسحار، و الذاكرين الله كثيرا). [3] .

و قد حاول حبيب هنا أن يثنيهم عن عزمهم لقتال الحسين عليه السلام و أن يعيدهم الي الأجواء التي عاش المسلمون في ظلها و هم يرون لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قداسة فرضها الله تعالي، و فرض معها حبا له و لآله عليهم السلام، لا يصح ايمان بدونه، و كان لابد أن يتذكروا في ذلك الموقف المنزل الرفيع لهم عند الله، و أن يتراجعوا عما أزمعوا الاقدام عليه، أما و قد بدا أنهم مصرون علي حربهم، فلابد أنهم بئس القوم عند الله.

كان حبيب يبدو و كأن حياته شخصيا آخر ما كان يفكر فيه، و قد اندفع محاولا رد القوم عن الحسين و أصحابه و منعهم من قتالهم، و كان وصفه اياهم بتلك الصفات التي ذكرها في كلمته القصيرة الواضحة نابعا عن قناعته و معرفته بأنهم كذلك بالفعل،


و لم يكن في تلك الكلمة القصيرة ما يماثل تلك التبجحات الجاهلية التي ألفها العرب، و لا فخر المرء بنفسه عند النزال، فلمعركة لما تبدأ بعد و حبيب لم يزيد أن عرفهم بتلك النخبة التي كانوا علي و شك ارتكاب جريمة قتلها.

و قد انبري أحد أصحاب ابن سعد (عزرة بن قيس) للرد علي حبيب، حاسبا أنه قد يستطيع اسكاته بجوابه، و قد قال له:

(انك لتزكي نفسك ما استطعت). [4] .

لم يستطع عزرة أن يقول أن أصحاب الحسين لم يكونوا كذلك بالفعل، و لابد أن أصحاب ابن سعد استعرضوهم و تذاكروا بشأنهم و ثبت لديهم أنهم فعلا صفوة من المؤمنين، و لم يكن هناك ما يشير الي أنهم كذلك، و اذ انبري عزرة متطوعا للرد علي حبيب، فانه لم يستطع الا أن يقول ما قاله، و هو يعلم كما علم أصحابه، أن أنصار الحسين عليه السلام كانوا كما وصفهم حبيب فعلا.


پاورقي

[1] و قد جاء فيه: (انه قد نزل من الأمر ما قد ترون، و ان الدينا قد تغيرت و تنکرت، و أدبر معروفها و استمرت جذاء، فلم يبق منها الا صبابة کصبابة کصبابة الاناء، و خسيس عيش کالمرعي الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به، و أن الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا. فاني لا أري الموت الا شهادة، و الحياة مع الظالمين الا برما..) الطبري 307 / 3، و راجع بقية المصادر التي ذکرناها.

[2] الطبري 307 / 3، و راجع بقية المصادر التي ذکرناها في هذه الدراسة.

[3] الطبري 314 / 3.

[4] الطبري 314 / 3.