بازگشت

الدور الاعلامي لأصحاب الحسين


كان اندفاع أصحاب الحسين خلفه، رغم علمهم أنهم مقبلون علي موت محقق تفنيدا للدعايات الأموية المضللة التي تحاول ابراز الثورة و كأنها أمر منافسة علي العرش، أو أن دوافعها قد تكون الحسد أو الخلاف الشخصي أو عقدة الكره بين الأمويين و الهاشميين الخ، و شهادة امام الأمة كلها دليل علي أن الأمر أبعد من ذلك كله، و أن الحسين عليه السلام كان يخوض معركة مصيرية نيابة عنها، و كان من الواجب أن يشترك كل أبنائها في هذه المعركة، و لا يقفوا موقف المتفرج منها، أو يقفوا الي الصف المعادي المتمثل بالسلطة الجائرة و الخارجة عن الاسلام.

لقد جعلهم الحسين عليه السلام يؤدون مهمة تبليغ الناس أسباب الثورة و دوافعها، و يوصلون اليهم قناعاتهم بضرورتها و جدواها، و كان اشراكهم في مهمة حث الناس علي الوقوف الي جانبه و ترك عدوه، يدل علي أنه كان يريد تفويت الفرصة علي ذلك العدو لنشر مزاعمه و أباطيله بشأن الثورة، و علي أنه كان يريد الأمة أن تقف موقف أصحابه، و تتبني تلك المواقف و تتخلي عن استسلامها للحكم الجائر و خوفها منه.

و قد جرت حوارات عديدة بين الحسين عليه السلام و أصحابه، و بينهم و بين بعضهم الآخر، و بينهم و بين بعض أفراد جيش ابن زياد، دلت علي أن أولئك الأصحاب كانوا يتمتعون بمستوي عال من الوعي و الادراك، جعلهم علي يقين من ضرورة الثورة ضد النظام الأموي. و في ذلك الظرف الدقيق بالذات، و لم يتراجعوا أو ينكلوا في كل مراحل الطريق الذي انتهي بكربلاء، رغم سماح الحسين عليه السلام لهم بذلك، و رغم ادراكهم أن مصير الموت ينتظرهم هناك، و أنه أمر محتم لابد منه، اذا ما واصلوا مسيرتهم معه، و كانوا بذلك يبرهنون علي أن الثورة لم تكن تخص الامام عليه السلام وحده، و أن مسؤولية المشاركة بها تقع علي عاتق الجميع، و أنها اذا ما نجحت فستجني الأمة كلها المكاسب من وراء ذلك، لأنها هي صاحبة المصلحة الحقيقية من الثورة، و ليس الحسين عليه السلام وحده، و ليسوا هم وحدهم.

لقد كانت حوارات الامام و أصحابه مع أعدائهم، تؤدي عادة الي اسكات


أولئك الأعداء و افحامهم، فقد كانت ايراداتهم و حججهم التي أوردوها بشأن قدومه و اعلانه الثورة قوية مقنعة، لم يملكوا أمامهم ربما سوي الاطراق و السكوت، و ربما بادر بعضهم ممن لا يتمتع بأي قدر من الخلق الحسن و المنطق السليم الي سب أصحاب الحسين عليه السلام و اعلان شماتته بهم، و بما هم مقبلون عليه، و هم يعتقدون أنه الرد المناسب علي حجج الامام القوية، و حجج أصحبه كزهير ابن القين و بربر بن خضير، بعد أن لم يجدوا الرد الصحيح،

انها المكابرة و العجز و العزة بالاثم، تغلب علي نفوس بعض أولئك الشامتين العاجزين الذين تعطلت عقولهم و اراداتهم، و انساقوا وراء نزعات الشر و العدوان، و لم يجدوا غير بضاعة الشتائم و الكلام الوقح القبيح، يتعاملون بها في ذلك الموقف الصعب المحرج.

ان الحوارات التي تبدو لنا في غضون الأحداث المهمة التي جرت في معركة الطف و قبلها، تكشف لنا عن صدق التوجه الواعي المتبصر لأصحاب الحسين عليه السلام، و تكشف عن الفراغ و الخواء و التجرد من روح المسؤولية و الاستسلام لدي أولئك الذين كانوا في الصف المقابل جنودا ليزيد و ابن زياد، كما أنها تكشف عن زيف الادعاءات و التبجحات التي قد تصدر عن هذا الشخص أو ذاك بتأثير الشعور بالقوة المظهرية الطارئة التي قد يشعرون بها تجاه ما يبدو أمامه من قوة قليلة لأصحاب الامام عليه السلام بحكم قلة عددهم و قلة تجهيزاتهم، ما أنهم شعروا في النهاية أنهم كانوا أضعف من تلك الفئة القليلة، التي و اجتهتهم بكل شجاعة و صبر و هي تقف خلف الحسين عليه السلام و تسانده حتي الرمق الأخير، و أنهم لم يكونوا سوي أدوات طيعة استخدمتها الدولة الغاشمة لتنفيذ أغراضها دون أن يكون لهم حق المشاركة في القرار، أو النقاش أو التفاهم حتي حول أسلوب هذه المعركة المذبحة أو شكلها أو ادارتها.

لقد أمليت عليهم خطواتها التفصيلية الي حد رأينا فيه عبيدالله بن زياد، أرسل و هو في قصره يأمر ابن سعد بأن يوطي ء صدر الحسين و ظهره بعد أن يقتل و يذبح مبررا ذلك بقسم كان قد صدر عنه، و كان عليه أن يبر به علي حد زعمه، و قد استجاب ابن سعد طائعا ذليلا، مع أنه لم يكن بحاجة اليه بعد أن نفذ الجريمة الأساسية، و هي قتل الحسين عليه السلام، و كان يمكن أن لا يفعل ذلك و يكتفي بقتله عليه السلام، خصوصا و أن ذلك الفعل كان سيزيد سمعته تلطخا و سوادا أمام جماهير المسلمين، الذين لابد و أن يسمعوا بتفاصيل الحادث، و سيستنكرون ذلك الفعل، و هو ما حدث بالفعل، و جعل


الجلادين الثلاثة (يزيد و ابن زياد و ابن سعد) يرمون وزر جريمتهم علي بعضهم أو علي آخرين مثل شمر، و يحاولون التنصل منها و من بعض المواقف المخزية الأخري التي قام بها كل واحد منهم.

ان أولئك الذين حاولوا أن يظهروا بمظهر القوة و البطولة الموهومة أمام الناس، كانوا يريدون منهم أن ينحنوا لهم دائما و أن يوافقوهم علي آرائهم و اطروحاتهم، حتي ولو كان سخيفة فجة، و يريدون منهم أن يهزوا رؤوسهم دائما هزة الموافقة و الاستحسان.

ولم يدر بخلدهم أن أحدا ما (أضعف منهم)، قد يجرؤ علي مواجهتهم أو رد مزاعمهم و أباطيلهم، مثلما يكون الأمر معهم هم، حينما يجدون أنهم لا يملكون أن الجرأة علي الوقوف بوجوه أسيادهم، ورد أقوالهم و تفنيدها، و ان بدت هذه الأقوال في نظرهم باطلة و سخيفة.