بازگشت

تمهيد


جعل الامام عليه السلام الأمة تدرك البعد العام و الجماهيري لثورته ضد الانحراف، و مع أن ادراكها ذلك كان ضعيفا في البداية، الا أنها بكل يقين علمت أن الحسين عليه السلام لم يكن يخوض صراعا شخصيا يهمه خاصة، و انما كان يحاول انقاذها و تخليصها من براثن الدولة الأموية المتسلطة، و كان اشتراك عدد من المسلمين - من غير عائلته - معه و اندفاعهم بيقين قوي الي حد تقديم أنفسهم شهداء في سبيل قضيته العادلة، و مواجهة آلاف الأعداء المدججين بالسلاح و المصممين علي قتلهم، يدل علي ادراكهم و وعيهم للقضية التي كان يخوضها عليه السلام و علي فهمهم للأبعاد المستقبلية لها، و التي ستضع الأمة كلها أمام مسؤولياتها المباشرة، و عدم التخلي عن قضاياها ليخوضها - نيابة عنها - عدد محدود من أبنائها.

لم يكن أصحاب الحسين عليه السلام مجندين خلفه بقوة الغشم و الاجبار و الارهاب، غير أنهم كانوا يدركون أبعاد المسألة كلها، و يعون بشكل واضح مسؤوليتهم لاسناده و السير علي خطاه لارجاع الأمة عن المنهج الأموي المضلل و عن كل منج مضلل في المستقبل.

و مع أن أعدادا كبيرة من أفراد الجيش الكوفي المجند كانت تدرك أن الحسين عليه السلام انما كان يحمل قضية الاسلام العامة، و أنه لم يكن يخوض صراعا علي الملك و السلطان، و أنهم سيدركون أول المحررين من جور السلطة و ارهابها، و ان ثورته في صالحهم و صالح الجماهير المسلمة المسحوقة المستغلة، الا أنهم لم يملكوا قدرا من الجرأة و قوة الارادة الكافيتين لجلعهم يتخلون عن موقف الجلاد - و التضحية فيما بعد - علي موقف الثوار، الذين يزعجهم و يقلقهم ذلك الخروج الصريح عن الاسلام الذي يتم في ظل الدولة الأموية.

لقد جعل الامام عليه السلام أصحاب يأخذون أدروا مهمة لا في الاداء القتالي في


المعركة و حسب، و انما بطرح القضية من قبلهم علي أفراد جيش ابن زياد بشكل بدا معه واضحا أنهم كانوا يدافعون عن الاسلام و عن الأمة المسلمة كلها، و أنهم انما يتبنون موقف الحسين عليه السلام لأنه الموقف الجدير بانقاذهم من دولة الظلم.

و سنحاول في كتاب لا حق بعون الله، الحديث عن أصحاب الحسين عليه السلام تلك الطليعة البدرية الثانية، التي كان التحاقها بالحسين لمواجهة أعدائه بذلك الشكل الملحمي الرائع، دافعا لأجيال عديدة من أبناء الأمة فيما بعد، لتلتحق به و ان لم تتح لها الفرصة لتكون من جنوده الأوائل، فقد كان سعيهم سعيا انسانيا خالصا، و كانت جهودهم ممكنة التكرار من قبل غيرهم، و بامكان كل من أدرك رسالة الحسين عليه السلام أن يقف موقفهم بمواجهة دولة الظلم أينما كانت، حتي ولو كان الحسين غائبا عن الساحة.

كانت الدعاية المضادة لآل البيت عليهم السلام منصبة منذ البداية في اتجاه يضعهم ضمن المتنافسين المحتملين الذين قد يتولون الخلافة، و قد حاولت تجريدهم من تلك الهالة الخاصة التي أحاطهم الله با و شرفهم و كرمهم و حصنهم و أشاد بذكرهم، و ذهبوا الي اعتبار ما قال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بحقهم نابعا عن حب شخصي عاطفي لهم كما يفعل الآباء عادة.

و اذ تبوأ مركز الخلافة أناس، رأي معاوية أنه قد يكون أفضل و أشرف منهم، بل و حتي أكثر مؤهلات كذلك، فان وجوده (خليفة) بعد ذلك جعله علي يقين أنه يستطيع تمهيد الجو ليزيد من بعده، و رأي أن الأمر لا يستدعي سوي دعاية مركزة تتيح له تنصيبه باعتبار أنه يتمتع بكفاءات ادارية جيدة أو علي حسب تعبير ابن كثير:

(لما كان يتوسم فيه من النجابة الدنيوية، و سيما أولاد الملوك، و معرفته بالحروب، و ترتيب الملك و القيام بأبهته). [1] .

و دعاية مركزة أخري تتيح له ابراز الحسين عليه السلام كمنافس علي السلطة، حسود، عصبي المزاج يمكن اثارته بسهولة و وضع لذلك حكايات روجها و نشرها كما رأينا في غضون هذه الدراسة، و مع ذلك فان نظرة واحدة الي سيرة الحسين عليه السلام طيلة حياته ترينا أنه كان أبعد الناس مما حاول معاوية و أجهزة اعلامه الصاقه به، و مع


كل ما كان يشعر به من آلام نتيجة تسلط معاوية، و سعيه لتنصيب يزيد وليا للعهد بعد ذلك، فان خطوته كانت أبعد ما تكون من العصبية و التسرع و الشعور بالغبن الشخصي مع أنه كان كذلك يذوب شفقة علي الأمة المغبونة بأسرها، و التي تقاد الي واقع محزن حقا، حينما يتسلط يزيد عليها و يتلاعب بمقدراتها.

و اذا ما زعم أحد أن الحسين عليه السلام كان يثور لنفسه، و كان يريد استعادة حقه في الخلافة، فان الشواهد كلها تدل علي عكس ذلك، مع أنه هاجم السلطة آخر الأمر و أعلن ثورته، و رفضه نظام يزيد علي رؤوس الأشهاد.

لقد تحدثنا طويلا عن دوافع الثورة و لسنا بحاجة لتكرار ما قلناه. غير أننا نتساءل هنا: ما هي دوافع أصحاب الحسين عليه السلام للثورة معه؟ هل الانتصار له شخصيا لعلاقة قربي أو ولاء شخصي له؟ أم لأنهم كانوا يرون ضرورة ثورته و مشاركة الأمة كلها بها، لأنها الشي ء الوحيد الكفيل بمنع الانحراف، و لأنه الشخص الوحيد المؤهل لقيادتها و ايصالها الي ما أراد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ايصالها اليه.

لقد صبغ أصحابه ولاءهم بالدم، و أقبلوا مستبشرين بالموت، لأن القضية كانت قضيتهم، و لأنه كان يريد انقاذ الأمة كلها، و لأنه يريد عودة الاسلام الي موقعه الصحيح منها، و كان لكل دوره في هذه الثورة، و قد حاول الحسين عليه السلام أن يجعلهم يقومون بهذه الأدوار لتوعية أفراد الجيش المستنفر لقتالهم و قتلهم، و جعلهم يغيرون مواقفهم الي صف الحسين عليه السلام لأنهم يكونون بذلك في صف الاسلام.

و كانت قناعاتهم بثورة الحسين عليه السلام و وقوفهم الي جانبه بذلك الحماس الذي استسهلوا معه الموت، و محاولاتهم اعادة أهل الكوفة الي صوابهم، تؤكد بطلان المزاعم الأموية التي كانت تصور الأمر و كأنه صراع علي كرسي الخلافة، اذ ما مصلحة هؤلاء مع الحسين عليه السلام اذا ما جلس علي كرسي الخلافة؟ هل سيحصلون علي المكاسب و المغانم الشخصية علي حساب الآخرين في ظله؟ و هل لا يحصلون علي هذه المكاسب و المغانم اذا ما قبلوا النظام القائم و قبلوا به؟ مع أن منهم من كانوا يعدون من الأثرياء و الأشراف و الوجهاء فعلا، هل كان الموت يحقق لم مكاسب شخصية أرضية كتلك التي يفكر بها ابن سعد مثلا؟ أم أنهم كانوا يتخلون عن كل شي ء و يقبلون علي الموت بسعادة، لأنهم كانوا يعون قضية الحسين عليه السلام وعيا تاما، و لأنهم أدركوا أن الثورة و التضحية و الاستشهاد في هذا الموقف الدقيق أمر لابد منه لمصلحة الأمة و لمصحلة الاسلام؟ هل كانوا يسيرون وراء قائد يتمتع بامكانات حربية


فائقة سيقهر بها أعداءه؟ أم خلف قائد يدعوهم للموت، لأنه السبيل الوحيد الذي يجعل أمتهم تبقي حية و يحصنها من الانحراف علي مر الزمن، و يتقدم أمامهم في هذا السبيل.


پاورقي

[1] ابن‏کثير 80 / 8.