بازگشت

القائد الصادق، يذكر الأمة بأن الشيطان قد استحوذ عليها


و قال مخاطبا جيش ابن سعد قبيل بدء هجومه عليه:

(و أراكم قد اجتمعتم علي أمر قد أسخطتم الله عليكم، و أعرض بوجه الكريم


عنكم، و أحل بكم نقمته، و جنبكم رحمته، فنعم الرب ربنا، و بئس العبيد أنتم، أقررتم بالطاعة، و آمنتم بالرسول محمد صلي الله عليه و آله و سلم، ثم انكم زحفتم الي ذريته و عترته، تريدون قتلهم. لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبأ لكم و لما تريدون. هؤلاء قوم كفروا بعد ايمانهم فبعدا للقوم الظالمين.

أما بعد: فانسبوني و انظروا من أنا، ثم ارجعوا الي أنفسكم فعاتبوها، و انظروا هل يحل لكم قتلي و انتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيكم و ابن وصيه و ابن عمه، و أول المؤمنين بالله، و المصدق لرسوله بما جاء من عند ربه أو ليس حمزة سيدالشهداء عم أبي؟

أو ليس جعفر الطيار في الجنة عمي؟

أولم يبلغكم قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لي و لأخي: «هذان سيدا شباب أهل الجنة»؟

فان صدقتموني فيما أقول، فهو الحق، فوالله ما تعمدت كذبا منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله، و يضر به من اختلقه.

و ان كذبتموني، فان فيكم من ان سألتموه عن ذلك أخبركم. سلوا جابر بن عبدالله الأنصار و أباسعيد الخدري، و سهل بن سعد الساعدي، و زيد بن أرقم، و أنس بن مالك، يخبركم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لي و لأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟ فان كنتم علي شك من ذلك، أفتشكون أني ابن بنت نبيكم، فوالله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم. أنا ابن بنت نبيكم خاصة، ويحكم، أفتطلبوني بقتيل منكم، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص من جراحة؟ فأخذوا لا يكلمونه). [1] .

ان خطاب الحسين عليه السلام لمجتمع الظلم الذي عاش بين ظهرانيه و واجهه منتقدا مقرعا لائما، خطاب يصلح لمواجهة كل مجتمعات الظلم التي نشأتت في ظل الانحراف و غياب الحكم الاسلامي الصحيح، فهذا جيش يحشد، يتخذ الدروع و ضروب الأسلحة و يعبي ء أفراده لمعركة قيل لهم أنها حاسمة و مصيرية، أما من هو العدو، فهذا هو الأمر الداعي الي الغرابة حقا، لو قيل لهذا الجيش أنك ذاهب لمقاتلة


رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم دفاعا عن الاسلام، أكان يقبل هذا المنطق الأعوج؟ و مع ذلك فقد قبله.

قيل لهم يا أتباع محمد صلي الله عليه و آله و سلم و يا من أقررتم بالطاعة و أمنتم به، هيا بنا نزحف الي ذريته و عترته لقتلهم فهم يريدون القضاء علي الاسلام.

هل هذا الا منطق شيطاني بعيد عن ذكر الله.؟

هل ان من يفعل ذلك ينتمي للاسلام حقا؟ أم أن هؤلاء ينتمون لملة الكفر، و قد دافعوا عن آرائهم و عروشهم و سلوا سيوفهم علي أعدائهم لا أعداء الاسلام، بل المدافعين عنه حقا؟ هل كان ذلك الجيش الذي جرد لقتله نائما أو واقعا تحت تأثير مخدر أو قوة خارقة جعله يقدم علي ذلك العمل المشين؟

ألم يكن أفراده يعلمون من كانوا يواجهون؟

هل تأملوا و لو لحظة واحدة و رجعوا الي أنفسهم فعاتبوها علي ذلك و علي سعيهم لقتله؟ هل هو الاسلام أو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذي أمرهم بذلك؟

أم أن الذي أمرهم بذلك هو عدو الاسلام و سليل أعدائه؟

الأسئلة حاسمة و تحتاج الي جواب سريع ورد فعل سريع و موقف مغاير لهذا الموقف المشين.

ان الذين يواجهونه هو الحسين ابن بنت نبيهم صلي الله عليه و آله و سلم الذي آمنوا به وادعوا حبه و موالاته..، و ذكري فاطمه عليهاالسلام لابد أن تعيد الي أذهانهم ما زين الله به سيدة نساء العالمين من شهادات تجعلها جديرة بتربيته و أعداد أوصياء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذين تحملوا مسؤوليته و أدوا رسالته و حفظوها من العبث و الانحراف، رغم كل محاولات العابثين و المنحرفين.

و هو ابن الوصي، أخو الرسول و ابن عمه، و أول المؤمنين بالله و المصدق بما جاء به من عند ربه، انها حقائق و وقائع ليس بامكان أحد أن ينكرها، و ان كان معاديا له، بل كيف يعادي عليا من يدعي حب محمد صلي الله عليه و آله و سلم؟ و هل أحب محمد صلي الله عليه و آله و سلم امرءا كما أحب عليا؟ لقد أحبه لله و آخاه في الله و زوجه ابنته لله و اختاره وصيا، لأن الله أمره أن يختاره، أكان كل هذا يغيب عن ذاكرة الجيل الذي كان قبل أيام قليلة يجاهر بذلك و يدعي معرفته به تمام المعرفة، فالكوفة كانت مدينة علي و قد نشأ جيل كبير في كنفه و تحت رعايته و خاض الحروب معه، فلماذا انقادت بقايا ذلك الجيل المتعبة المخذرة


المستسلمة بعد طول قتال و نضال لعدو علي و استسلمت له، و سلت سيوفها لنصرته و الدفاع عن مصالحه.

هل كان حمزة سيدالشهداء، الذي نصرالله الاسلام بسيفه و سيف ابن أخيه علي، يغيب عن ذاكرة ذاك الجيل الذي ادعي الولاء و الحب لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ و هل غابت ذكري جعفر الطيار في الجنة و هو عم الحسين عن ذاكرته أيضا..؟ أكان قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في الحسن و الحسين عليهم السلام: هذان سيدا شباب أهل الجنة، غير متواتر و لا معروف حقا؟ ألم يكونوا يرددونه حتي الأمس القريب؟

أكان عبثا. و حاشا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من العبث أن يقول لأمته أنهما سيدا شباب أهل الجنة و أن يقول في حقهما أحاديث لم يقلها بحق أحد من أهل الأرض سوي أمهما و أبيهما؟

و هل يكذب سيد شباب أهل الجنة لمجرد أن يدفع عنه السيوف و القتل، أو يتربع علي عرش قصير العمر يجلس عليه سنوات محدودة و لا يشتاق الي عرشه الدائم في الجنة؟ أجائز هذا في منطق الاسلام؟

أم أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم انساق وراء عاطفة أبوية بحتة تغلبت علي حبه للاسلام تماما كما فعل معاوية و شهد لولديه بذلك؟

و هل أن الله جل و علا شهد بحقهم و أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا لرابطة أبوية أو صلة قرابة؟ حاشا لله.

و هل يجوز لمن يؤمن بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم أن يشك فيه و في أقواله؟

و هل يجوز لمن يومن بالله أن يحرف كلامه و يعبث به و يفسره علي هواه؟

فلا يزال جيل من صحابة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أمثال جابر الأنصاري و أبي سعيد الخدري، و سهل بن سعد الساعدي، و زيد بن أرقم و أنس بن مالك و غيرهم و يعيش بين ظهراني الأمة، و قد سمع هذا الحديث و أدرك ما يعنيه و سمع العديد و العديد من الأحاديث الأخري، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟ هكذا تساءل، و طلب منهم أن يتساءلوا و يعيدوا النظر بسرعة في موقفهم المفزع و الا فاتت الفرصة عليهم الي الأبد، و أسخطوا الله و أعرض بوجهه الكريم عنهم، و أحل بهم نقمته و جنبهم رحمته.


فاذا ما تجاهل أحد كل ذلك، و شك بأقوال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بحق ولده الحسين الذي كان يمثل أمامهم و يخاطبهم، فهل من شك أنه ابن بنت نبيهم؟ و اذا ما أجابوا، فان جوابهم سيكون: لا نشك في ذلك حتما و سيؤيدون قوله، بل الحقيقة التي طرحها: ما بين المشرق و المغرب ابن بنت لنبي الله غيره فيهم، و لا في غيرهم و أنه ابن بنت نبيهم خاصة.


پاورقي

[1] الطبري 313 / 3، و ابن‏الأثير 288 / 2، و الخوارزمي 253 / 1، و الارشاد 248، و جمهرة خطب العرب، أحمد زکي صفوت 46 / 2، الأنساب للبلاذري 188 / 3.