بازگشت

عدم جواز بيعة الفاسق و يزيد رجل فاسق فاجر، و مثلي لا يبايع مثله


لقد خاطب عليه السلام الوليد بن عتبة بن أبي سفيان والي المدينة عندما طالبه بمبايعة يزيد أثر وفاة معاوية قائلا:

(انا أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة و مختلف الملائكة و مهبط الرحمة، بنا فتح الله و بنا ختم الله، و يزيد رجل فاسق فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق و الفجور، و مثلي لا يبايع مثله). [1] .

و يبدو أن الوليد قد وعي كلمات الحسين عليه السلام تمام الوعي و لم يستجب لأوامر يزيد أو اقتراح مروان بقتله اذا ما امتنع عن المبايعة، و قد أجاب هذا الأخير بقوله، عندما عاتبه علي ترك الامام يذهب دون أخذ البيعة منه:

(ويح غيرك يا مروان، أنك قد اخترت لي التي فيها هلاك ديني و دنياي. و الله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه من مال الدنيا و ملكها، و أن قتلت حسينا، يا سبحان الله، أأقتل الحسين، أن قال: لا أبايع؟ و الله أني لأظن أن أمرا يحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة). [2] .

و ما امتنع عنه الوليد و خاف منه، أقدم عليه آخرون بعد ذلك و في مقدمتهم ابن زياد و ابن سعد و اضرابهما من أشراف الكوفة، الذين رأوا مصلحتهم تكمن في بقاء النظام، و ربما حاربوا بشراسة من رأي أنه مستهدف شخصيا بالثورة التي ينوي الحسين القيام بها و كان في رسالته التي كتبها من مكة الي جماعة من أشراف البصرة و رؤساء الأخماس تأكيد علي صلته برسول الله عليهم السلام و مقامه منه و من الاسلام و تلميح لوقائع تاريخية جري فيها استعباد آل البيت عليه السلام من مركز القيادة الفعلي للمسلمين، حيث قال:

(أما بعد، فان الله اصطفي محمدا من جيمع خلقه، و أكرمه بنبوته، و اختاره لرسالته، ثم قبضه اليه مكرما، و قد نصح لعباده و بلغ ما أرسل به، و كنا أهله و أولياؤه و أوصياؤه و ورثته، و أحق الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا


و كرهنا، الفرقة و أحببنا العافية، و نحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه، و أنا أدعوكم الي كتاب الله و سنة نبيه، فان السنة قد أميتت، و ان البدعة قد أحييت، و أن تسمعوا قولي و تطيعوا أمري أهدكم الي سبيل الرشاد). [3] .

لقد ألمح الي ظروف التبست فيها الأمور علي الأمة، و كان منافسوا آل البيت عليهم السلام الذين استأثروا بمقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و خلافته، و الذين حكموا فهمهم و تصورهم للاسلام، أقرب لمنهجه الظاهري من الحكام الأمويين الذين لم يبد آخرهم - أي اهتمام بالأمور المظهرية التي يمكن أن يكسب بها ود الأمة و ثقتها، و في ظروف كتلك تكون منافسة أولئك المستأثرين بالخلافة أمرا قد يجر الي خلافات و معارك كثيرة تدخل الأمة في متاهات و فتن قد لا تخرج منها الي الأبد.

أما حين يتسع الانحراف و يبدو كل شي ء واضحا أمام الأنظار، و يسعي أعداء الاسلام لاماتة السنة و احياء البدعة، فان الالتباس يرتفع هنا و لا يبقي مجال للشك في طبيعة الحاكم و ظلمه و انحرافه، و تكون الدعوة لنبذه دعوة للعودة الي طريق الاسلام ثانية، و هنا يدعو الحسين عليه السلام الأمة لنفسه و نصرته، فهو وحده الكفيل باخراجها من ظلمات الانحراف الأموي الي سبيل الرشاد اذا ما سمعت قوله و أطاعت أمره. و في خطبته في مكة قبل خروجه الي الكوفة قال:

(رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر علي بلائه و يوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس، تقر بهم عينه، و ينجز لهم وعده، الا و من كان فينا باذلا مهجته، موطنا علي لقاء الله نفسه، ليرحل معنا). [4] .

انه هنا يستجيب لأمر الله مادام فيه رضاه جل و علا، لا استجابة المسير المجبر، و انما استجابة الواعي الذي يدرك مسؤولياته تجاه الاسلام، فمادام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه قد سار في نفس ذلك الطريق الشائك المرهق من قبل، و وجد فيه راحة فيها رضا الله فأولي بآله و خلفاءه من بعده أن يسيروا في نفس ذلك الطريق مجدين صابرين لن يشذوا عنه، و عند ذاك سيكونون معه في حضيرة القدس و في دار النعيم.


و هنا يشير الي أن طريق رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و منهجه ليس مقصورا علي النخبة من آله، و انما هو مفتوح لكل من وطن نفسه علي لقاء الله، و حينما سيكون معهم لا مع عدوهم، و سينتظره ما ينتظرهم في تلك الدار التي أعدها للخلص من أحبائه و أوليائه.


پاورقي

[1] الفتوح 5، و اللهوف ص 10، و مثير الأحزان، و الخوارزمي ج 1 ف 9، و النويري ج 20 ص 379، و الطبري 270 / 3، و الارشاد 207.

[2] الفتوح 5، و اللهوف ص 10، و مثير الأحزان، و الخوارزمي ج 1 ف 9، و النويري ج 20 ص 379، و الطبري 270 / 3، و الارشاد 207.

[3] الطبري 280 / 3.

[4] الأربلي، کشف الغمة ج 2 ص 241، اللهوف ص 25.