بازگشت

اولسنا علي الحق، اذا لا نبالي وقعنا علي الموت أو وقع الموت علينا


و روي عقبة بن سمعان قائلا:

(لما ارتحلنا من قصر بني مقاتل و سرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة، ثم انتبه و هو يقول: انا لله و انا اليه راجعون و الحمدلله رب العالمين، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا، فأقبل اليه ابنه علي بن الحسين عليه السلام علي فرس له فقال: انا لله و انا اليه راجعون و الحمدلله رب العالمين، يا أبت، جعلت فداك، مم حمدت الله و استرجعت؟ قال: يا بني، اني خفقت برأسي خفقة، فعن لي فارس علي فرس فقال: القوم يسيرون، و المنايا تسري اليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت الينا.

قال له يا أبت، لا أراك الله سوءا، ألسنا علي الحق؟

قال له بلي و الذي اليه مرجع العباد.

قال: يا أبت اذا لا نبالي، نموت محقين،

فقال له جزاك الله من ولد خير ما جزي ولدا عن والده.). [1] .

و لا ندري هنا أيهما أعجب، موقف الحسين عليه السلام، أم موقف ولده علي الأكبر عليه السلام، الذي يبدو أنه كبقية أصحاب أبيه عليه السلام، قد استوعب المهمة استعيابا تاما، و لم يعد لديه شك بخطرها و أهميتها، غير أن الذي نجده هنا أنهما لم يباليا بالموت ماداما محقين، هذا ما قاله الوالد و أكده باطرائه ولده، و دعوة الله أن يجزيه خير الجزاء.

و نستطيع القول هنا ان الحسين عليه السلام لو كان حريصا علي حياته، لاستجاب لابن زياد و قد رأي جيشه الذي يتفوق علي أصحابه ربما بألف مرة، غير أنه أصر علي القتال و لم يتنازل أو يتراجع حتي و هو يواجه ذلك الجيش الذي أعد لحربه و مقاتلته.


و قبيل المعركة بيوم عندما زحف نحو الحسين و أصحابه عمر بن سعد بعد صلاة العصر.

(و حسين جالس أمام بيته، محتبيا بسيفه، اذ خفق برأسه علي ركبتيه، و سمعت أخته زينب الصيحة، فدنت من أخيها فقالت: يا أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟، فرفع الحسين رأسه فقال: اني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في المنام، فقال لي: انك تروح اينا.). [2] .

و قد خاطب أصحابه بعد ذلك بقوله:

(.. ألا و اني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا، ألا و أني قد أذنت لكم جميعا، فانطلقوا في حل ليس عليكم مني حرج و لا ذمام، و هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، و تفرقوا في سواد هذا الليل، و ذروني و هؤلاء القوم، فانهم لا يريدون غيري، و لو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري). [3] .

لقد رفض أهل بيته و أصحابه تركه، مصممين علي أن يقتلوا بين يديه، و كان رفضهم قاطعا رغم قرب موعد المنازلة.

و اذا كان موقفهم هذا غير مستغرب لأنهم أدركوا القضية التي كانوا يقاتلون من أجلها، و استوعبوا كل أبعادها و عطاءاتها المستقبلية، فكيف يكون موقف الحسين عليه السلام صاحب القضية الأول، و ممثل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه مثيرا للاستغراب؟

و كيف حصل أن انحاز هؤلاء للحسين عليه السلام مع علمهم بالموت المحقق الذي ينتظرهم؟ أليس انحيازهم انما كان للاسلام و قضاياه العادلة، في مواجهة الشرك و الباطل و الضلال و الانحراف.؟


أما كان أولي بأكثر الناس شعورا بالمسؤولية، و أعلمهم بالاسلام و أقربهم من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الممثل الحقيقي له أن يكون و أول المنحازين للاسلام، و أول المدافعين عنه ضد أعدائه، و لو كان ثمن ذلك الموت المحقق العاجل علي يد أولئك الأعداء؟

اذا ما لمسنا في أنفسنا ضعفا و لم نجد فيها القدرة علي القيام بالدور الذي قام به الحسين عليه السلام و أصحابه، هل يكون من حقنا أن نقول أنهم أخطأوا بمواجهة الجيش الضخم الذي أعده ابن زياد، و أن عليهم أن يقعدوا و يستسلموا و يبايعوا يزيد، لأنهم بذلك يضحون بحياتهم و سلامتهم، هل بذلك يضحون بحياتهم و سلامتهم، أما حياة الأمة و سلامة الاسلام فليست من شؤونهم؟ هل هذا هو منطق الاسلام؟ و هل ربي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أمته و أعدها لكي تقع في أحضان الانحراف و الجاهلية من جديد؟ و هل كان يزيد و أشباهه النتيجة الطبيعية لسعي آلاف الأنبياء و تضحياتهم؟ و هل كان نتاج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و نتاج الاسلام؟ لكي يقبل به الحسين عليه السلام و يقره ممثلا له صلي الله عليه و آله و سلم و خليفة شرعيا علي الأمة لمجرد أن معاوية ضلل هذه الأمة و عبث بها و استباح كل مقدراتها؟

و هل أن ما انطلي علي عوام الناس و بسطائهم المخدوعين و المغرر بهم، و علي أولئك الذين سكتوا و هم يعيشون تحت ظلال السيوف، و في جو الارهاب و القمع و الرشوة و الابتزاز ينطلي علي الحسين عليه السلام فيتراجع أمام سلطان دولة الغشم و الانحراف، لمجرد أنها أرادت ذلك، و لا يستجيب لسلطان الله الذي يأمره ليكون أول المدافعين عن الاسلام و في أول الصفوف و لو اقتضاه ذلك حياته؟

لا شك أن العكس هو الصحيح. و هكذا كانت الاستجابة التامة لله و أوامره في مقارعة الظلم و المنكر.

و هكذا صارحهم. كما روي عن الامام زين العالدين عليه السلام:

(اني غدا أقتل، و تقتلون كلكم معي.). [4] .


و هكذا أخذ يردد و هو يعالج سيفه و يصلحه قبيل المعركة بساعات، أبياتا بدا و كأنه يشير بها الي مصرعه المحتم:



(يا دهر أف لك من خليل

كم لك بالاشراق و الأصيل



من صاحب أو طالب قتيل

و الدهر لا يقنع بالبديل



و انما الأمر الي الجليل

و كل حي سالك السبيل) [5] .



و قد أعد أصحابه و أهل بيته لتقبل أمر موته بصبر و رباطة جأش،

و قبيل الحملة الأولي، عندما تقدم عمر بن سعد نحو معسكر الحسين و رمي ثم رمي الناس، و أقبلت السهام من القوم كأنها المطر، فلم يبقي من أصحاب الحسين أحد الا أصابه من سهامهم، فقال الحسين لأصحابه:

(قوموا رحمكم الله - الي الموت الذي لابد منه - أن هذه السهام رسل القوم اليكم.). [6] .


پاورقي

[1] الطبري 309 / 3، و ابن‏الأثير 282 / 3، و النويري ج 20 ص 423، و روضة الواعظين للقتال ص 18، و الارشاد 209.

[2] الطبري 324 / 3، و النويري 432 / 20، و اللهوف ص 38، و دار السلام للميرزا النويري ج 1 ص 75.

[3] الطبري 315 / 3، و ابن‏الأثير 285 / 3، و اللهوف ص 38، و الخوارزمي ج 1 ف 11، و روضة الواعظين للقتال ص 183، و الارشاد ص 120، و آمالي الصدوق مجلس 3 و البحار ج 44 ص 492، و جمهرة خطب العرب، أحمد ذکي صفوت ج 2 ص 41، و المناقب 99 / 4، و الايفاد للعظيمي ص 63، و أنساب الأشراف 185 / 3، و النويري 435، 20، مع بعض الاختلافات البسيطة.

[4] تهذيب التهذيب لابن‏حجر ج 1 ص 150، و البحار ج 44 ص 394، و ترجمة ريحانة رسول الله من تاريخ دمشق لابن‏عساکر ص 154، و هذه المصادر مذکورة في مقتل الحسين للمرحوم آية الله السيد محمد تقي آل بحر العلوم، و قد استعنا بالمصادر و النصوص التاريخية الواردة فيه في عدة مواضع من هذا الکتاب، و رجعنا الي بعضها مما توفر لدينا، مما سهل علينا عملية البحث و الدراسة.

[5] الطبري 316 / 3، و ابن‏الأثير 286 / 3، و الارشاد 216، و اللهوف 34، و البلاذري 186 / 3، و النويري 447 / 20.

[6] الخطط المقريزية ج 2 ص 287، و الارشاد ص 50، و الخوارزمي ج 2 ص 8، و اللهوف ص 42، و مقتل العوالم ص 84.