بازگشت

انكار المنكر الأموي باليد الحسينية


لقد أدرك الامام الحسين عليه السلام ذلك بوضوح، و علم أن مهمة التصدي لن تتم بمجرد التمني و النوايا الحسنة، فلم يكن ما أراده هينا و لا سهلا، و الدولة الأموية تنشر ظلها في بقاع العالم الاسلامي كلها.


خرج لطلب الاصلاح في أمة جده محمد صلي الله عليه و آله و سلم، يريد أن يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر، و يسير بسيرة جده صلي الله عليه و آله و سلم و أبيه عليه السلام لا بسيرة أي شخص آخر، و هو أمر يهول الدولة مجرد التفكير به، فكيف اذا ما سعي امرؤ لتحقيقه و جعله أمرا واقعا؟ حتي و ان كان الحسين عليه السلام؟

و من هنا أعطي الامام الحسين عليه السلام قيمة خاصة لمبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، لأنه علم أن ذلك لن يتم الا بتقديم دمه ثمنا لذلك، فقد كان ذلك الأمر الجدي الوحيد الذي سيحقق غايته في تغيير الأمة و لفت نظرها بشكل حاد الي وضعها المزري في ظل الحكام المنحرفين.

لقد علم أن استنكار المنكر الأموي بالقلب لن يجدي، و كذلك لن يجدي انكاره باللسان لأن ذلك لن يغير الأوضاع السيئة، و لن يعمل الا علي اصلاح بعض الأمور المظهرية. و ربما عمدت الدولة المنحرفة نفسها الي زرع بعض هؤلاء الآمرين (بالمعروف) و الناهين عن (المنكر) في خطوة منها للحفاظ علي بعض المظاهر غير الضارة، و لتحسين صورتها أمام جماهير الأمة كما يجري الآن في بعض الدول (الاسلامية).

و كان لابد من اعادة بعث هذا المبدأ الذي أوشك أن يموت و تموت معه خير أمة أخرجت للناس، لأنها لم تتمسك به تحت وطأة الجهل و التضليل و الارهاب، و هو ما عمدت اليه دولة الظلم الأموية لتمرير مخططاتها و سلب المكاسب التي تحقق للأمة في ظل الاسلام

(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله...). [1] .

ان ضياع مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يعني ضياع الأمة كلها كأمة اسلامية، لأنها تكون عند ذاك شبح أمة، لا أمة حية تبني و تنتج و تتحرك و تعطي، ستكون أمة مشلولة بل جثة هامدة لا تملك لنفسها ضرا و لا نفعا، لذلك كان أمر وجودها و حياتها، خير أمة أخرجت للناس رهنا بقيامها بتطبيق هذا المبدأ الذي يتيح لها تطبيق كل قوانين الاسلام و أحكامه دون استثناء.


كان بعث هذا المبدأ علي يد الامام الحسين عليه السلام بتلك هذه الصورة الفريدة التي لفتت أنظار أبناء الأمة الي المخاطر التي تحيق بها نتيجة الانحراف الأموي، قد جعل موت الأمة الاسلامية مستحيلا علي كل من أراد ذلك و سعي اليه.

لقد كلفه ذلك حياته و حياة مجموعة فريدة من أهله و أصحابه، و تعرضت عائلته الي أشد أنواع الأذي و المهانة و الحزن، و مع علمه أنه سيتعرض لكل ذلك، فانه لم يتردد و لو لحظة واحدة و لم يتراجع فان الفرصة ستضيع الي الأبد.

كان مهمة شاقة تستدعي أكبر قدر من التضحية أتيح لبشر أن يقدمه في تاريخها، و في ذلك فقد كانت واجبة و ضرورية، و اذا أنها أنيطت بحملة الاسلام للقيام بها، فهي اذا أمر ممكن، كما أنه أكثر يسرا علي أولئك الذين يحملون شعورا عظيما بالمسؤولية، و يشعرون أنهم مسؤولون مسؤولية شخصية عن كل خطأ أو انخراف تقع فيه هذه الأمة، و من أكثر شعورا بالمسؤولية من الحسين عليه السلام؟ لقد كانت ثورة الحسين عليه السلام خطوة كبيرة لاحياء مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن الننكر و جعله مبدأ حياتنا اسلاميا قائما الي الأبد، و قد أعطاه قيمة حقيقية لجعله مبدءا حيا لا مجرد شعار لا يتعدي قيمته اللفظية و حسب.

و هكذا واجه من احتشدوا لحصاره و قتله بقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم:

(من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم و العدوان فلم يغير عليه بفعل و لا قول، كان حقا علي الله أن يدخله مدخله).

قال ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قوله الفصل، و قد حل الوقت الذي ينبغي القيام فيه بهذه المهمة.

فان السنة قد أميتت، و ان البدعة قد أحييت، و ان هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، و تركوا طاعة الرحمن، و أظهروا الفساد و عطلوا الحدود، و استأثروا بالفي ء، و أحلوا حرام الله، و حرموا حلاله، و ان الدنيا قد تغيرت، و تنكرت و أدبر معروفها، و استمرت حذاء، و لم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء، و خسيس عيش كالمرعي الوبيل، الا ترون الي الحق لا يعمل به و الي الباطل لا يتناهي عنه). [2] .


هل هذه الأمة الاسلامية التي ربي طليعتها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أرادها أن تنمو و تتقدم في ظل الاسلام و شريعته و مبادئه، أم أنها أمة قديمة مجدت أنبياءها و كتبها؟ أمة ماتت و ما عادت سوي ظل أمة و ذكري أمة؟

هل هذا هو نتاج سعي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم حقا؟ أم نتاج انحراف بدا بسيطا و ربما دون وعي أو فهم حقيقي للاسلام، حتي اتسع بعد ذلك ليكون خروجا صريحا عن الاسلام؟ و هل امام الأمة و قائدها الآن:

(الحاكم بالكتاب و القائم بالقسط و الدائن بدين الله و الحابس نفسه علي ذات الله؟

أم أنه يزيد.

(الفاسق الفاجر، شارب الخمر قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسوق و الفجور، مشتري الهو)؟

و هل تطيب حياة أي مسلم في ظل أوضاع كهذه و في ظل حاكم كيزيد؟

(و علي الاسلام السلام اذا بليت الأمة براع مثل يزيد).

و علي الاسلام السلام اذا ما أصبح الحرام حلالا و الحلال حراما،

أي شي ء يتبقي للمسلم حينئذ، هل يقبل أن يتخلي عن الاسلام و يعيش حياة الكفر و الجاهلية و الانحراف، أم يتبني ما تبناه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و وصيه و يدعو للمعروف و يأمر به و ينهي عن المنكر يدعو للمعروف الذي يريده الاسلام و يرفض المنكر الذي يرفضه الاسلام و لو كان في ذلك ذهاب حياته، و لو كان علي حساب سعادة عائلته و راحتهم. ألا يرغب المؤمن في لقاء ربه محقا؟

ألا يري الموت سعادة؟

ألا يري الحياء مع الظالمين برما؟

أية حياة ستكون في ظل هؤلاء الظالمين المنحرفين؟ ستكون حياة العبودية و الاقرار لهم بالحق في ظلم الناس و ابعاد الاسلام عن حياتهم، أما مواجهة الظلم و انكاره، و الوقوف بوجهه، فلن يكون له سوي ذلك الايقاع الجميل المتناغم الذي يشعر المرء أنه يؤدي مهمة حقيقية كبيرة مهمة من شأنها ايقاظ الأمة و لفت نظرها دوما الي أي لون من ألوان الفساد و الشذوذ و الانحراف و الكفر و الخروج المعتمد علي الاسلام.


و أي سعادة أكبر من تلك التي يشعر بها المرء حينما يري أنه سيحقق مثل هذه المهمة الكبيرة؟ مهمة الهجوم علي الظالم و اعلان الحرب علي الظلم، و في حسابات الاسلام وحدها يتحقق النصر، اذ أن علي المسلم أن يرفع سيفه و ليس عليه أن يحقق الغلبة في المعركة التي يخوضها، فهذا أمر موهون بمشيئة رب العالمين و حكمته و أمره أما هو فقد أدي واجبه و التحق بركب المدافعين عن الاسلام و أما اكمال الشوط الي النهاية فليس أن يفكر فيه، فالشوط طويل و عمره لن يسعه. و كفاه نصرا أنه ثبت علي موقفه و لم يحد عنه حتي آخر لحظة من حياته.

و كفاه فخرا أن الله وعده بالنصر، و كان حقا عليه هذا النصر.

(ان تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم). [3] .

(و لينصرن الله من ينصره). [4] .

(انا لننصر رسلنا و الذين ءامنوا في الحيوة الدنيا...). [5] .

(و كان حقا علينا نصر المؤمنين). [6] .

تري لو فكرنا بمنطق الاسلام هل كنا نتساءل: كيف تغلب الحسين عليه السلام علي أعدائه رغم الفارق الهائل بينهم في العدة و العدد؟ هل كان الحسين عليه السلام يري أمامه العدد الهائل من العدو المدجج بالسلاح؟ أم أنه كان يري امامه أمة مريضة خائفة جديرة بالرثاء، و اذ لا تري علتها و لا تنهض لاصلاح عيوبها فانها جديرة بازدراء و التقريع؟ لعل ذلك يؤثر فيها بعد أن لم تؤثر الكلمات الرفيقة الهينة، فربما حسبوا ذلك ضعفا منه يريد به دفع الأذي عن نفسه.


پاورقي

[1] آل عمران: 110.

[2] تراجع المصادر السابقة.

[3] محمد: 7.

[4] الحج: 40.

[5] غافر: 51.

[6] الروم: 47.