بازگشت

اسير بسيرة جدي محمد و أبي علي و أهدكم سبيل الرشاد


و قد أوصي أخاه محمد بن الحنفية قبيل خروجه من المدينة بين فيها أسباب خروجه و دوافعه لطلب الاصلاح الشامل في أمة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم:

(اني لم أخرج أشرا و لا بطرا، و لا مفسدا و لا ظالما، و انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي محمد صلي الله عليه و آله و سلم، أريد أن آمر بالمعروف و أنهي عن المنكر، و أسير بسيرة جدي محمد صلي الله عليه و آله و سلم و أبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولي بالحق و من رد علي هذا أصبر حتي يقضي الله بيني و بين القوم بالحق و هو خير الحاكمين). [1] .

و كان عليه السلام قد دعا أهل البصرة لا تباعه لكي يعيدهم الي المنهج الصحيح لا المزور الذي استحدث و أصبح سائدا في ظل معاوية و خليفته.

(و أنا أدعوكم الي كتاب الله و سنة نبيه، فان السنة قد أميتت، و ان البدعة قد أحييت، و ان تسمعوا قولي، و تطيعوا أمري أهدكم الي سبيل الرشاد). [2] .

و كتب الي عمرو بن سعيد عامل يزيد علي مكة ردا علي كتابه الذي أرسله اليه، و فيه يدعوه للعودة الي مكة و يتهمه بالشقاق:

(فانه لم يشاقق الله و رسوله من دعا الي الله عزوجل و عمل صالحا و قال انني من المسلمين، فخير الأمان أمان الله، و لن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمانه يوم القيامة). [3] .

و خطب في أصحاب الحر قائلا:

(ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: «من رأي سلطانا جائرا، مستحلا لحرام الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم و العدوان فلم يغير عليه بفعل و لا قول، كان حقا علي الله أن يدخله مدخله. ألا و ان هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان الخ). [4] .


و كتب لأهل الكوفة مع مسلم بن عقيل:

(و مقالة جلكم أنه ليس علينا امام، فأقبل لعل الله يجمعنا بك علي الهدي و الحق، فان كتب الي (مسلم) أنه قد أجمع رأي ملئكم و ذوي الحجي و الفضل منكم علي مثل ما قدمت به رسلكم و قرأت في كتبكم، فأني أقدم عليكم و شيكا ان شاء الله تعالي، فلعمري، ما الامام الا الحاكم بالكتاب و القائم بالقسط، و الدائن بدين الله، الحابس نفسه علي ذات الله). [5] .

كانت دوافع الثورة لا تحتمل التأخير و التقاعس أو التعويض عنها بحل وسط يمكنه أن يدواي جراحها أو يقي عثرتها، فالأمة قد انحرفت و وقعت فريسة سهلة بيد حكامها الجائرين المنحرفين، الذين تسلطوا عليها بالقوة و الاكراه و ضروب الظلم و القهر، لو أننا درسنا تاريخ تلك الفترة بتمعن و وعي، لوجدنا أنها كانت فترة دقيقة مرت فيها الأمة بأقسي اختبار، و كان من الممكن أن تسقط الي الأبد، و لا تنهض من كبوتها ثانية. كان أمر سقوطها مدبرا و مخططا له بعناية و براعة جديرة بعبقري الشر و مؤسس الدولة الأموية معاوية، و كان أقل تأخر أو تلكؤ من جانب الحسين عليه السلام، للوقوف بوجه الانحراف و فضحه و كشفه أمام الأمة المستسلمة اليائسة، سيكون ايذانا برقدة دائمية لن تصحو منها الأمة، و ستفقد فيها كل المكاسب التي تحققت في ظل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و دولة الاسلام العادلة التي أقامها و أراد لها أن تستمر الي الأبد وفق منهجه و ادراته و هكذا دعته الضرورة الملحة للخروج الذي لم يكن منه بد، و الثورة لن تنجح و ستفقد مبررات قيامها لو تأخرت عن ذلك الأجل، لطلب الاصلاح في أمة جده محمد صلي الله عليه و آله و سلم. و مفهوم الاصلاح هنا قد يكون مغايرا لما تحمله بعض الأذهان و العقليات التي قد تري فيه محاولة لتصحيح بعض ما أعوج و مال و انحراف و جبر بعض ما انكسر و تحطم، و تري أنه أسلوب قد يكون توفيقيا، و لا بأس من اللجوء اليه لحل مشكلة آنية قد تنشأ بين الدولة و رعاياها. أما الامام الحسين عليه السلام فلا يري ما يراه هؤلاء، و لا مكان عنده للحل الوسط الذي يقبل ببعض أحكام الاسلام و يرفض


بعضها، فهذا مبدأ رفضه الاسلام رفضا قاطعا و نهي عنه نهيا أكيدا، فهل كان من المعقول أن يلجأ اليه ممثل الرسالة الحقيقي، و خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و وصيه عليه السلام و أشد الناس وعيا و أكثرهم معرفة بالاسلام و قربا منه؟

ان الامام الحسين عليه السلام كان يعني (بالاصلاح) عودة الأمة ثانية الي اسلام محمد بن عبدالله صلي الله عليه و آله و سلم و وصيه عليه السلام، و لا حل وسط عنده سوي العودة التامة الي هذا الاسلام المبرء من العيوب و النقائص التي حاول اعداؤه الصاقها به، ليكون سيفا مسلطا علي رقاب الناس بدل أن يكون رحمة و منهجا صائبا ينظم حياتهم وفق العدالة الالهية التي ترفض الظلم و التسلط و الكفرة و الانحراف و كل أنواع الشذوذ و الخطأ.

لقد أراد الحسين عليه السلام عودة الناس من الاسلام الأموي الي الاسلام المحمدي، و هكذا أعلن أن يريد أن يسير بسيرة جده محمد صلي الله عليه و آله و سلم و أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام أي بسيرة الاسلام.

تري لو أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان يعيش في تلك الفترة، أكان يطلب غيره ما طلبه حفيده و خليفته و ممثله عليه السلام؟ ألم يكن علي استعداد للتضحية بنفسه و بكل غال و نفيس في سبيل تحقيق هذه المهمة؟

كان الحسين عليه السلام يؤكد عزمه علي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، في وقت أوشك المعروف فيه أنه يصبح منكرا و المنكر معروفا، و في وقت ضاعت فيه قيم الاسلام و حلت محلها قيم جاهلية مستحدثة قائمة علي تكريس مصالح العائلة الأموية و نفوذها و سلطتها و اذ أن هذه العائلة لن تتنازل بسهولة عن ملكها العريض الواسع و ثرائها الأسطوري، فان الأمر بالمعروف لن يكون فاعلا بمجرد كلمة تقال أو نوايا حسنة يضمرها منكر الشر بقلبه، لابد من فعل حاسم يرافق كلمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و لابد من اليد التي ترتفع بوجه الظلم و الانحراف لا يقافهما و منعهما بقوة و حسم، و لابد من الدماء التي تراق في سبيل تحقيق المهمة الكبيرة، مهمة تغيير الأوضاع و قلبه و اعادتها الي خطها الأول.


پاورقي

[1] الخوارزمي 189 / 1، و المناقب 88 / 4، و مقتل العوالم 54.

[2] الطبري 280 / 3.

[3] المصدر السابق 297 / 3، و ابن‏الأثير 276 / 3، و ابن‏کثير 163 / 8، و الخوارزمي 1 ف 1. و النويري 412 / 20، و سير أعلام النبلاء 343 / 2.

[4] الطبري 307 / 3، و النويري 419 / 20، و ابن‏الأثير 280 / 3. و البلاذري 171 / 3.

[5] الطبري 278 / 3، و ابن‏الأثير 267 / 3، و البحار 334 / 44، و روضة الواعظين ص 173، و الارشاد ص 186. و أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين ق 1 ج 4 ص 160، و الأخبار الطوال، ابن‏قتيبة ص 210، و المناقب ج 4 ص 90، و الخوارزمي 1 ف 10، و النويري 387 / 20، و تذکرة الخواص لابن‏الجوزي ص 244.