بازگشت

الثورة الاصلاحية علي الأوضاع المنحرفة عن الاسلام


حاول الامام الحسين عليه السلام في كل مراحل المعركة استعراض الأوضاع المنحرفة التي كان يعيش في ظلها المسلمون، و التي كانت تمهد لانحراف شامل و خروج معلن عن الاسلام، و توضيح دور الطبقة الحاكمة صاحبة المصلحة الأولي من ذلك الانحراف، الذي يتيح لها التصرف بحرية بعيدا عن قانون الاسلام و تشريعاته، و كشف شخصية الرأس الأول في الدولة يزيد، و قد أطلعنا علي جوابه لمعاوية عندما دعاه لمبايعة يزيد بعد أن أطنب في مدحه أمام جماعة من وجهاء أهل المدينة:

(و فهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله و سياسته لأمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم. تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنك تصف محجوبا أو تنعت غائبا، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص. و قد دل يزيد من نفسه علي موقع رأيه. فخذ ليزيد فيما أخذ به، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، و الحمام السبق لأترابهن و القينات ذوات المعازف و ضروب الملاهي، تجده باصرا، ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقي الله من وزر هذه الخلق بأكثر مما أنت لاقيه، فوالله ما برحت تقدم باطلا في جور، و ختفا في ظلم، حتي ملأت الأسقية، و ما بينك و بين الموت الا غمضة، فتقدم علي عمل محفوظ في يوم مشهود: «و لات حين مناص:). [1] .

(يزيد شارب الخمر و مشتري اللهو). [2] .

(... يزيد رجل فاسق فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق و الفجور). [3] .

قالها للوليد بن عتبة عندما طالبة بمبايعة يزيد بعيد هلاك معاوية و قال لمروان عندما طلب منه مبايعة يزيد:


(علي الاسلام السلام اذا بليت الأمة براع مثل يزيد) [4] و كتب لأهل البصرة من مكة قائلا: (فان السنة قد أميتت، و ان البدعة قد أحييت). [5] .

و خطب في جيش الحر بن يزيد الرياحي قائلا:

(ان هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، و تركوا طاعة الرحمن، و أظهروا الفساد، و عطلوا الحدود، و استأثروا بالفي ء و أحلوا حرام الله، و حرموا حلاله). [6] .

و عند نزوله كربلاء خطب في أصحابه قائلا:

(ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها، و استمرت حذاء، و لم يبقي منها الا صبابة كصبابة الاناء، و خسيس عيش كالمرعي الوبيل. ألا ترون الي الحق لا يعمل به، و الي الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا؟ فاني لا أري الموت الا سعادة، و الحياة مع الظالمين الا برما). [7] .

كان الحسين عليه السلام، عندما يستعرض أوضاع الأمة في ظل الانحراف، يؤكد علي ضرورة مشاركتها بالقضاء علي ذلك الانحراف، فلم يكن هو المعني الوحيد بذلك، بل كانت الأمة كلها معنية و كانت هي المستهدفة و المتضررة. و اذ يؤكد الحسين عليه السلام علي انحراف القيادة، و رأسها بالذات، يزيد، فانه يؤكد علي فساد النظام كله..، اذ كيف يكون صالحا و مقبولا اذا كان رأسه فاسدا؟ و قد حاول وعاظ الدولة المنحرفة تمرير المخطط المشؤوم لقبول الحاكم الفاسق، و أشاروا الي يزيد بالذات مبررين ذلك بأحاديث مفتراة و موضوعة، و قد أشرنا لذلك من قبل. ان هؤلاء عندما فعلوا ذلك بايعاز من الدولة لجأوا الي التزوير و التضليل بعد أن لم يتمكنوا من اخفاء حقيقة يزيد، و بعد أن لم ير هو نفسه ضرورة لاخفاء حقيقته، اذ أنه وجد أمامه أمة خائفة منهزمة، و لم يجد من يقف بوجهه و يواجهه بحقيقته طيلة حياته سواء في


عهد أبيه أو بعد ذلك. و كان لابد للحسين عليه السلام أن ينتبه الي تحرك الاعلام الأموي المضلل بهذا الاتجاه، فيعلن أن فساد الحاكم سببه أولا فساد نظام الحكم كله و أن الثورة عليه واجبة في هذه الحال، و هو ما فعله الامام و أكد عليه، فالفساد لا يزول الا بتغيير السبب الرئيسي فيه، و قد نجح الامام الحسين عليه السلام نجاحا باهرا بتبصير الأمة بواقعها في ظل قيادتها الفاسدة، مما جعل أجهزة الاعلام الأموي و كل الأبواق السائرة في ركابها تعجز عن دفع صفة الفساد عن يزد و دولته، - و اذ تصر القيادة المنحرفة علي انتهاج خط الفساد و الانحراف المعلن و لا تعلن استعدادها لقبول أية نصائح أو توجيهات بهذا الخصوص، فان الحل الوحيد و ردعها و التصدي لها و كشفها أمام الأمة كلها لكي تكون علي بينة من أمرها، و تعلم أن الطريق الوحيد هو ازاحة مثل هذه القيادة المنحرفة بكافة الطرق المناسبة، و منها اعلان الحرب عليها و مهاجمتها و عدم الاكتفاء بنقدها و تبيان عيوبها، و هو ما فعله الامام الحسين عليه السلام، و قد حاول استنهاض الأمة و دفعها للقيام بمهمة التغيير، ثم أعلمها بعد ذلك أنه سيمضي لانجاز المهمة و لو لم يكن معه أحد، اذ أن ذلك لا يسقط عنه المسؤولية و لا يكون مبررا لقعوده و سكوته. لقد أرادها أن تختار الوقوف الي جانبه، و قد أشعرها بفعله. ان الموقف الصحيح هو موقفه، و أنه وقفه باختياره، عندما رأي تدهور الأوضاع، و أن لا سبيل الي اصلاحها الا بمواجهة مباشرة مع رموز الانحراف، فالانحراف المعلن لم يكن ليصحح الا بالثورة المعلنة، و الموقف المعلن الي جانب الاسلام، كان يريد الأمة أن تتصرف بوعي و ادراك سليمين و أن تعرف دوافعه الحقيقية من الثورة و تتصرف مثله. و قد صرح علنا:

(مثلي لا يبايع مثله).

و كان تصريحه أمام ممثل السلطة في المدينة، و ليس أمام جماعة معينة من خواصه و مريديه، و لم يكتف الامام بمجرد رفض يزيد و عدم مبايعته، و انما انطلق يعبر عن ذلك بفعل آخر، يجسد مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و قد علمنا أن كان يري:

(أن يزيدا هو أول منكر يجب أن يزول من عالم الاسلام). [8] .



پاورقي

[1] ابن‏قتيبة، الامامة و السياسة 196 / 195 / 1 ط 2 مصر.

[2] ابن‏قتيبة، الامامة و السياسة 196 / 195 / 1 ط 2 مصر.

[3] الخوارزمي ج 1 ف 9، و ابن‏طاووس ص 199 / 10، و النويري 379 / 20، و الفتوح 18 / 5.

[4] ابن‏طاووس ص 11.

[5] الطبري 280 / 3.

[6] الطبري 307 / 3، و النويري 419 / 20، و ابن‏الأثير 280 / 3، و البلاذري 171 / 3.

[7] الطبري 307 / 3، و العقد الفريد 380 / 4، و تاريخ الاسلام 345 / 2، و اللهوف ص 33 و حلية الأولياء 39 / 2، و ابن‏عساکر جرء خاص بريحانة الرسول ص 214، و مجمع الزوائد 192 / 9، و ذخائر العقبي 149، و الخوارزمي 2 ص 5، و الاتحاف بحب الأشراف، الزبيدي 10، ص 320.

[8] الشهيد مطهري، حقيقة النهضة الحسينية، موسسة البعثة طهران ص 11.