بازگشت

الدم الذي انتصر علي السيف بمشهد و مرأي من الأمة


انه سعي الي مواجهة تتم أمام أنظار الأمة و أسماعها و لم ير لنفسه أن يموت حتف أنفه ذليلا مطاردا، و انما وقف مقابل جيش قد يفوق عدده عدد أصحابه ألف مرة، و واجههم بالسبب الذي دعاه الي رفض يزيد و حكمه المنحرف و طلب منهم التخلي عنه و الانضمام اليه.

لم يكن موقفه مألوفا أو عاديا بحيث لا تلتفت اليه الأمة و لا تتساءل عن حقيقة الدوافع اليه، و لو بعد حين من الزمن، و هو ما فعلته بعد ذلك، و هو ما أراد الحسين عليه السلام أن تفعله، فلئن قتل، فانه لم يرد لذلك أن يتم دون ثمن و دون أن تجني الأمة ثمار سعيه لكشف انحراف الدولة و جورها و ابتعادها عن الاسلام.

وقف كشفت أقواله و تصريحاته و مواقفه أنه كان يسعي للوقوف موقفا لم يتح للأمة أن تشهد مثله من قبل كما لن يتاح لها أن تشهد مثله بعد ذلك، و قد ذهب الي حد أخذ أطفال و عياله معه ليشهدوا الواقعة المفجعة في الطف، و لعل ذهابهم سوية، و هم بيت الرسالة و سلالة النبوة، للتعرض لهجمة من ادعوا الحرص علي الاسلام مع أنهم كانوا أشد أعدائه، و استهدافهم بأشد ضروب القسوة و الوحشية، سيكون شاهدا علي بطلان كل ادعاءات الدولة الظالمة التي عملت ما عملت باسم الاسلام، كما سيكون برهانا علي أنها تحارب الاسلام نفسه، اذ تحارب هؤلاء و تعاملهم بذلك الشكل القاسي و المصين.

فمهما عملت تلك الدولة علي تشويه صور أعدائها من آل البيت عليهم السلام، فان لتلك الصور قداسة و منزلة تظل فوق كل الافتراءات و التشويه، و لعل آخر ما يفكر به


المسلمون أن تستهدف عائلة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم نفسه بذلك الضرب من التعامل الهمجي الذي ذهب الي حد قتل الأطفال و سلب النساء و ترويعهن و حملهن بصورة مهينة و عرضهن في الساحات و الشوارع و المجالس العامة بشكل لا يرضاه أي منهم لعائلته، بل و لا يطيق حتي التفكير به.

تري هل غابت الأحاديث و الآيات التي تدل علي قداسة آل البيت و منزلتهم من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و من الله سبحانه و تعالي؟ و هل أصبحوا أعداء الأمة بعد أن أكد الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم قداستهم و منزلتهم، و أصبح لزاما عليها أن تحاربهم تحت لواء أعدائها الحقيقيين المتسترين بالدين ماداموا قد استطاعوا جعله مطية لأغراضهم و مطامعهم؟ بل و تذهب في عدائها الي التنكيل بهم بذلك الشكل الفظيع الذي لفت أنظار الناس جميعا؟

ان ما عمله أعدائه الحسين عليه السلام بعيال و أطفاله كان شاهدا واضحا لا لبس فيه علي عداء دولة الانحراف لنبي الاسلام صلي الله عليه و آله و سلم و دينه القويم الذي أنزله الله عليه و نشره رغم أنوف مؤسسي تلك الدولة و سلفهم المعلنين عداوتهم للاسلام حتي بعد أن انتشر و قوي و توسع.

و مع أن هناك هدفا آخر استهدفه الحسين عليه السلام - من وراء استصحابه أطفاله و عوائله - و هو عرض الصورة المريعة التي عاشوها و شهدوها علي جماهير المسلمين خلال مسيرة العودة و بعدها، فان ما شهدته كان يكفي لفضح التوجهات الأموية المنحرفة الحاقدة علي الاسلام، و كانت لتلك المشاهد المؤلمة التي تعرض فيها آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم رغم قداستهم و منزلتهم، أثرها البالغ لتعرية المنحرفين و كشفهم بشكل واضح أمامها. و هذ أمر قد سعي اليه الحسين عليه السلام بكل تأكيد، و هو ما لم يكن ليتم مع غيره لو حاول ذلك، فما كل امري ء كالحسين عليه السلام و ليس الجميع آل النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أهله.