بازگشت

الامام الحسين يتيح المقارنة بينه و بين يزيد


و هذا ما كان يبدو أن الامام الحسين عليه السلام كان يسعي اليه، كان يريد وضع القضية كلها امام الأمة و تعريفها بطرفي الصراع، الامام الحسين عليه السلام و خطه الرسالي الصحيح، و الدولة الأموية و خطها المنحرف عن الاسلام جملة و تفصيلا.

و كان الجو المشحون - الملي ء بنذر الترقب و القلق مما قد يحدث نتيجة المواجهة التي يسعي اليها الطرفان و لا يتحاشيانها رغم التباين الواضح في قوتهما العددية و تسليمهما و استعداداتهما العسكرية و غيرها - يثير الأمة كلها و يجعلها تتطلع بوجوم لتلك القافلة الصغيرة التي انطلقت من المدينة، و حطت الركاب في مكة لفترة من الزمن كانت مكة مليئة بزوارها من كل أنحاء العالم الاسلامي و قد دعتهم لمراقبتها و فهم مهمتها، ثم الي الكوفة حيث لا استقرار في الأوضاع و لا ثبات في المواقف.

كان الامام الحسين عليه السلام يريد الأمة كلها أن تراقبه و ترصد مسيرته و تسمع أقواله و تتخذ الموقف الصحيح حياله و حيال ثورته، و قد نجح في ذلك الي حد بعيد، فلم يكن أحد ليحتج بجهله بعد ذلك و يقول: ان لم يكن يدري بدوافعه و أهدافه الحقيقية من وراء ثورته علي النظام، و لا يقول أحد أن الحسين عليه السلام كان يسير و لا


يعلم بالمخاطر التي بدت واضحة للعديد من الناس الذين هم أقل كفاءة و خبرة و وعيا منه، فكيف به هو و قد بدا له احتمال القتل مؤكدا و هو يواجه نظاما شرسا لا يبدو أنه سيتخلي عن (المكاسب) التي حصل عليها بسهولة، و يقبل التنازل عن الكرسي و الصولجان و التنازل عنهما بمجرد دعوة منه عليه السلام و مع ذلك فلم يقف و لم يتراجع أو يتنازل أو يخفف من و تيرة تصريحاته و أحاديثه التي دعت لكشف ذلك النظام المنحرف و عزله حتي في أشد الظروف حراجة، و رغم بقائه وحيدا بمواجهة عشرات الآلاف من الجنود المعادين المتعطشين لدمه.

ان دوافع هذا الموقف ما كانت لتمر دون أن تتساءل الأمة بجدية هذه المرة عنها، و تدرك بعد ذلك أنه كان الموقف الصحيح الوحيد الذي كان عليها أن تقفه جانب الحسين عليه السلام و اذ فاتها أن تقفه في اللحظة الحاسمة المناسبة، فانها ظلت تتطلع الي ذلك، حتي بعد أن مرت قافلة الحسين و غادرت و وفد أصحابها الي بارئهم و خالقهم يشهدون عليها بالضعف و التخاذل و الاستسلام،

و ظلت تتطلع الي قوافل أخري تلتحق بها ما أراد الامام تحقيقه في مسيرته الأولي.

ان دراسة فاحصة متتبعة لمواقف الحسين عليه السلام و خطبه و كلماته و أجوبته منذ أن طولب بمبايعة يزيد من قبل عامله علي المدينة، و حتي لحظة استشهاده ترينا أنه كان يخطط لادارة معركة حاسمة كبيرة، و مواجهة السلطة الغاشمة مواجهة معلنة - رغم تباين الامكانات في العدة و العدد بينه و بينها - تدرك الأمة فيها بوضوح و دون أي التباس مدي التضحيات التي سيقدمها في هذه المعركة التي لم يكن يبدو أنه مستعد للتراجع عنها في أية مرحلة من مراحلها.

ان مظلوميته الكبيرة التي أرادها أن ترتسم بوضوح في الأذهان، تتجسد باستهدافه شخصيا دون أبناء الأمة الآخرين، و هو أكثرها شرفا و منزلة، لمبايعة أقلها شرفا و منزلة قائدا علي المسلمين، حتي ان من أراد له أن يبايع لم ير أن يمهله لحظة واحدة - كما رأينا و طلب رأسه مقابل عدم مبايعته و هو يدرك أنه لم يبايع علي أية حال.

ان هذه المظلومية لا تعني استهدافه بالقتل و قد بايع كبقية الناس الآخرين، لأنه في هذه الحال لن يكون سوي أحد الأرقام المضافة الي العدد الكبير من الناس الذين


قتلتهم الدولة حفاظا علي مصالحها و خوفا من خطر مرتقب منهم، ثم لماذا تقتل الدولة من لا تري فيه خطرا عليها؟.

و يمكن القول أن الحسين عليه السلام أدرك أن أقل ما سيواجه به - نتيجة النظام القائم بقيادة يزيد - هو القتل، و من هنا خطط لكي لا يتم ذلك سرا و دون معركة معلنة يتم فيها كشف القاتل و ابراز عيوبه و انحرافه و انحراف دولته، و من هنا أيضا رفض البقاء في مكة ليغتاله أعوان النظام ثم تضيع الجريمة بعد اعلام مركز بهذا الاتجاه، أو الذهاب بعيدا الي شعاب اليمن كما أشار عليه ابن عباس أو الذهاب مع الطرماح بن عدي الي طي ء هربا من جيش الحر.