بازگشت

قيادة الحسين للمعركة نموذج للقيادة الشمولية المستوعبة


و كانت الخطوات تبدو محسوبة بدقة متناهية بحيث تعمل كل واحدة منها (سواء المواقف أو الأقوال) علي تبصير الأمة بالأهداف الحقيقية للمسيرة و الواقعة الملحمية التي تمت في أعقابها، لتكون تلك الواقعة، و هي الفصل الدموي الأخير، مؤشرا لأكبر حدث يتم في تاريخ الاسلام للفت نظر الأمة بقوة الي واقعها المنحرف، و المتسارع في الانحراف علي و تيرة لو تم للنظام الحاكم الاستمرار فيها لوقعت الأمة كلها في هاوية خطيرة قد لا يتسني انقاذها منها فيما بعد، حتي بثورات مماثلة لثورة الحسين عليه السلام و حتي لو أريق من الدماء أكثر مما أريق بتلك الثورة و كان توقيت الثورة - حال وفاة معاوية - أول الأمور المحسوبة و المدروسة بعناية، فما كان يمكنه الانتظار حتي يتمادي يزيد - و هو علي سدة الحكم - باستهتاره و انحرافه، بعد أن عرف به قبل ذلك بشكل واضح، ثم القيام بالثورة عليه بعد ذلك، اذ سيتساءل الناس عند ذلك: لقد كنتم تعرفون يزيد، و قد رفضتموه منذ البداية، و رفضه الحسين عليه السلام و لم يبايعه ثم سكت عنه بعد أن أصبح حاكما، مع أن سلوكه ظل هو نفسه، فلماذا الثورة عليه الآن و قد تمادي أكثر و بصورة مكشوفة و معلنة.

ستكون مهمات الثورة عندئذ أعقد و سيستغل يزيد فترة المهادنة الأولي لتنفيذ كل أغراضه و نواياه التي هي ليست في صالح المسلمين حتما، و سيجد من يبرر له تصرفاته و أفعاله ضد الاسلام و عرضها علي أنها التصرفات الصحيحة التي لا غبار عليها، رغم أنه لم يكن الا مجرد فاسق، و هذا لا يقلل من قيمته كخليفة مادامت تصرفاته الباقية في حدود الواجب الشرعي أليس هذا ما نسمعه بالفعل، رغم أن الحسين عليه السلام لم ينتظر مدة أطول يتاح فيها ليزيد اظهار المزيد من فسوقه و انحرافه؟ ماذا كنا سنسمع أيضا لو انتظر الحسين عليه السلام أطول من ذلك؟

و هكذا نعلم ضرورة توقيت الثورة التي تمت في بداية عهد يزيد، و بدأت منذ اليوم الأول الذي وصلت فيه أخبار تسلمه السلطة الي المدينة، و قد تحدثنا عن الأحداث و الوقائع التي تمت في ذلك اليوم و ما أعقبه في الأيام العديدة المحسوبة التي تمت فيها المسيرة الملحمية الي مكة الي الكوفة.