بازگشت

علنية مسيرة الحسين و شمولية خطاباته لكل الأمة دليل علي علنية


لم تكن مسيرة الحسين عليه السلام مسيرة صامتة و مخفية عن أنظار الأمة، بل كانت مسيرة معلنة بكل مراحلها و خطواتها و تفاصيلها، فلم يكن الامام يبحث خلالها عن


مخرج يتيح له الحفاظ علي حياته (رغم موقفه الرافض للمبايعة) و الا لكان قد أثر الذهاب الي مكان بعيد كاليمن حيث يستطيع عند ذاك أن يظل حيا، الا أن قضيته ستموت بعد ذلك و تنسي تحت وطأة الاعلام الأموي و الدعاية المضلة للدولة.

و هكذا كانت الاشارات الي الموت المحتم الذي سيلقاه و الذي كان متيقنا أنه سيحل به، فما كانت الدولة تسمح لأحد أن يكشف انحرافها و أخطاءها و التصدي المسلح لها، و كانت ستستنفر كل قوتها و جهدها للقضاء عليه.

لقد كان الامام الحسين عليه السلام في كل موقف وقفه، و في كل مراحل مسيرته من مكة الي الكوفة يحاول تنبيه الناس بما فيهم أصحابه و الجنود الذين وقفوا في وجهه، الي خطورة الأوضاع التي كانوا يمرون بها، و رداءة الحال التي وصلوا اليها في ظل الحكم الأموي الطاري ء الذي أراد أن يكون هو الأصل، و الذي أراد أن يوصلهم الي أبعد مديات الانحراف و الي الخروج السافر و النهائي عن الاسلام.

كما كان يحاول أن يبين لهم أسباب خروجه من مكة الي العراق و طبيعة المهمة الدقيقة التي كان يتصدي لها و يشرح لهم الأسباب التي دعته الي رفض يزيد و عدم مبايعته، كان يريد مخاطبة الأمة كلها. من خلالهم - و اقناعها بضرورة التخلي عن يزيد ممثل النظام المنحرف و قائده، و تغيير مواقفها المتخاذلة و المستسملة،

و هذا أمر ينبغي الالتفات اليه بعناية، و نحن ندرس تاريخ تلك الثورة الكبيرة التي أعادت الاسلام الي بناء الأمة، و اعادتهم الي آفاقه و الي أحضانه و جعلتهم يضعونه نصب أعينهم دائما كلما بدا لهم انحراف أو خروج عن تعاليمه أو تشريعاته و أحكامه.

و ينبغي أيضا الالتفات الي دقة الكلمات و العبارات الواردة في الخطب و الأقوال التي ألقاها دائما و تفوه بها في معرض توضيح المهمة التي خرج لانجازها، و موقفه و موقف أصحابه من الأحداث التي كانت تمر بها الأمة و التي دعته لاعلان الثورة و رفض الحكم الأموي رفضا قاطعا لا رجعة عنه و لا تردد فيه.

فهو - علي سبيل المثال - عندما يخاطب طلائع جيش العدو المرسلة لحصاره و التضييق عليه بقوله:

(انها معذرة الي الله عزوجل و اليكم، اني لم آتكم حتي أتتني كتبكم، و قدمت


علي رسلكم: أن أقدم علينا، فانه ليس لنا امام، لعل الله يجمعنا بك علي الهدي، فان كنتم علي ذلك فقد جئتكم، فان تعطوني ما أطمئن اليه من عهودكم و مواثيقكم أقدم مصركم، و ان لم تفعلوا و كنتم لمقدمي كارهين، انصرفت عنكم الي المكان الذي أقبلت منه اليكم). [1] .

و عندما يقول لهم:

(اسمعوا قولي، و لا تعجلوني حتي أعظكم بما يحق لكم علي و حتي أعتذر اليكم من مقدمي عليكم، فان قبلتم عذري، و صدقتم قولي، و أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، و لم يكن لكم علي سبيل، و ان لم تقبلوا مني العذر، و لم تعطوا النصف من أنفسكم: فاجمعوا أمركم و شركاءكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم أقضوا الي و لا تنظرون ان وليي الله الذي نزل الكتاب و هو يتولي الصالحين). [2] .

فحين يستعمل كلمة (معذرة - اعتذر - عذري - العذر) فهو لا يستعملها في معرض الاعتذار عن خطأ في السلوك أو في تقدير الموقف أو الكفاءة أو القوة، كما قد يتبادر الي بعض الأذهان، لأنه من أكثر الناس معرفة و ادراكا بصحة مسيرته التي كان يبدو أنه مصر علي الاستمرار فيها، كما رأينا ذلك و علمناه من نفس تلك الخطب و من غيرها في كل المواقف الأخري التي وقفها ولكنه يستعملها في معرض توضيح موقفه أمامهم و أمام الأمة كلها، و سبب اقدامه علي المهمة الكبيرة التي أخذ علي عاتقه القيام بها مع أصحابه، و كان يريد منهم أن يشتركوا معه جميعا لانجازها، لا الوقوف متفرجين أو في الصف المقابل المعادي انه يستعمل تلك الكلمات في معرض القاء الحجة عليهم، بل علي الأمة كلها، لينبههم الي خطورة حالهم و وصولهم الي حافة الهاوية التي أوشكوا علي الوقوع فيها.

كانت قيادة تلك المعركة تستدعي تخطيطا شاملا و نظرة و مستوعبة لتحقيق أهدافها الكبيرة، مقابل التضحيات الجسيمة التي سيقدمها الحسين عليه السلام و أصحابه، و التي ستذهب هدرا و تبدو كما لو أنها اننحار متعمد اذا لم تتحقق تلك الأهداف.



پاورقي

[1] الطبري 306 / 3.

[2] الطبري 318 / 3.