بازگشت

الامام الحسين عرف الداء فوضع له الدواء ليرغب المؤمن في لقاء ربه


كان الحسين عليه السلام يري أن التغيير الجوهري هو الأمر الوحيد الذي لابد منه لانقاذ الأمة و اعادتها الي الطريق الذي رسمه لها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أن مسؤولية هذا التغيير تقع علي كل أبناء الأمة، و في مقدمتهم هو عليه السلام لما يتمتع به من علم و موقع متقدم و مكانة مرموقة، و كان يري أن القول وحده لا يمكن أن يحقق ذلك التغيير، و لابد من فعل كبير حاسم يظل ماثلا أمام أنظار الأمة و في أذهان أبنائها دوما، لتستجيب له بعد ذلك استجابة مؤكدة و تخرج من المأزق الذي أوقعها فيه النظام الأموي، فذلك هو وحده الجدير بتحقيق هذا التغيير، فأمام جمع من جيش ابن زياد، أرسله مع الحر لحصاره و مضايقته قائلا:

(ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: «من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، يعمل في عباد الله بالاثم و العدوان، فلم يغير عليه بفعل و لا قول، كان حقا علي الله أن يدخله مدخله [1] «


.. الا و ان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، و تركوا طاعة الرحمن و أظهروا الفساد، و عطلوا الحدود، و استأثروا بالفي ء و أحلوا حرام الله و حرموا حلاله).

ثم قال بعد ذلك:

(انه قد نزل من الأمر ما قد ترون، و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و استمرت حذأ، فلم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء، و خسيس عيش كالمرعي الوبيل.

ألا ترون أن الحق لا يعمل به و أن الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فاني لا أري الموت الا سعادة، و الحياة مع الظالمين الا برما). [2] .

لقد كان يستعرض أمامهم واقعهم المعاش، و يريهم حقيقة الأوضاع التي كانوا يمرون بها في ظل أقطاب الانحراف و الجور الذين لا يضعون أمامهم سوي مصالحهم و هواهم.

لقد استحلوا الحرام، و نكثوا عهد الله، و خالفوا سنة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و عملوا فيهم بالاثم و العدوان و الخروج الصريح عن أحكام الاسلام، و لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمن و أظهروا الفساد و عطلوا الحدود، و استأثروا بالفي ء و أحلوا حرام الله و حرموا حلاله، و بعبارة واحدة: الغوا الاسلام و استبدلوه بالأباطيل الأموية».

و في وضع كهذا، حيث الحق لا يعمل به، و الباطل لا يتناهي عنه، ماذا ستكون مسؤولية المؤمن بالاسلام؟ هي ينحني أمام ريح الانحراف و الباطل؟ أم يقاوم الانحراف و يتصدي له ولو كلفه ذلك حياته؟ اذ ما معني الحياة في ظل أوضاع كهذه؟

و هل سيكون الموت عند ذاك بدون هدف؟ و هل ستكون الحياة هي الهدف و ان كانت مع الظالمين و في ظلهم و تحت حكمهم؟

كان عليه السلام يريهم أنه المسؤول الأول عن اعادة الأمور الي نصابها الصحيح الذي أهمل و نبذ، و أن عليهم أن يفعلوا فعله، و ينحازوا الي صفه و لا يكونوا رهن مشيئة و اردة الظالم الخارج عن الاسلام.

و متي ما علمنا أن كلماته هذه قد وجهها للجيش المعادي الذي جاء لمحاصرته و مضايقته و قتاله و منعه من الذهاب الي هدفه و الرجوع، و أنه لن يتركه حتي يستسلم أو


يسلمه لابن زياد، أدركنا أنه كان يريد تنبيههم، و هو في موقفه الدقيق ذاك و الذي بدا واضحا لهم أنه لا يمكن أن يتراجع عنه، الي قراره الأخير، و هو القرار الصائب الذي اتخذه مقابل القرار الذي اتخذته غالبية أبناء الأمة بالاستسلام و المهادنة و الخضوع و قبول الذل و الانحراف، و أراهم كيف أنه سيمضي (مقتنعا واثقا) في هذا القرار الي النهاية و أنه سيستشهد و يقبل علي الموت بكل جرأة غير حاسب أي حساب لكثرة أعدائه و قوتهم و كأنه لا يراهم أمامه الا أشباحا هزيلة ضعيفة تستحق الرثاء، رغم أنهم في الظاهر بدوا أقوياء مدججين بالسلاح و قادرين علي قتله و قتل أصحابه.

و قد أراد بذلك أن ينبه الأمة كلها الي خطورة حالها و الي الموقف الصحيح الذي ينبغي أن يقفه كل فرد منها حيال تلك الحال المتردية.


پاورقي

[1] الطبري 307 / 3، و نهاية الأدب 419 / 20، و ابن‏الأثير 280 / 3، و أنساب الأشراف للبلاذري 171 / 3، و الخوارزمي 1 ف 11.

[2] المصدر السابق.