بازگشت

العقلية الانهزامية نتاج أموي


لقد حسب المتخاذلون و المستسلمون من أبناء الأمة - و هم الأغلبية - أن الحسين عليه السلام كان يخوض معركة خاسرة بالعدد القليل الذي رافقه، و أنه كان يقامر بحياته و حياتهم اذا ما مضي الي نهاية الشوط و أقدم علي منازلة جيش السلطة، و أنه قد أخطأ بقراره هذا، و يذهب (المتساهلون) باعتباره مخطي ء في الحكم (الشرعي) لأنه عليه السلام ظن أنه كان قادرا علي الاطاحة بالحكم الأموي، و قد راجت أفكار و أطروحات الاستسلام و البحث عن الحلول الوسط، حتي أصبحت مبدأ لا يأنف منه بعض كبار العلماء و المفكرين المسلمين بعد ذلك، طالما غيرهم قد سكت و لم يتصد للانحراف الأموي اليزيدي، يقول ابن خلدون:

(لما ظهر فسق يزيد عند الكافة من أهل عصره، بعثت شيعة أهل البيت بالكوفة للحسين أن يأتيهم فيقوموا بأمره، فرأي الحسين أن الخروج علي يزيد متعين من أجل فسقه، لا سيما من له القدرة علي ذلك، و ظنها من نفسه بأهليته و شوكته، فأما الأهلية فكانت كما ظن و زيادة، و أما الشوكة فغلط يرحمه الله فيها، الا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه، و أما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه لأنه منوط بظنه، و كان ظنه القدرة علي ذلك. و لقد عذله ابن العباس و ابن الزبير و ابن عمر و ابن الحنفية أخوه و غيرهم في مسيره الي الكوفة و علموا غلطه في ذلك، و لم يرجع عما هو بسبيله لما أراده الله، و أما غير الحسين من الصحابة الذين كانوا بالحجاز و مع يزيد بالشام و العراق و من التابعين لهم، فرأوا أن الخروج علي يزيد و ان كان فاسقا لا يجوز لما ينشأ عنه من الهرج و الدماء فأقصروا عن ذلك و لم يتابعوا الحسين و لا أنكروا عليه). [1] .


كانت حسابات واضعي هذه الأطروحات، هي نفس حسابات قريش و حلفائها، جنونا سافرا و مجازفة كبيرة، و أعلنوا سخريتهم بل و استهجانهم و غضبهم منه ثم بعد أن استقامت الأمور و أيده الله بنصره، و خضعت له الجزيرة و ما حولها، أدركوا أنهم كانوا مخطئين، مع أنهم ربما لم يدركوا بعد السبب الذي جعله مع القلة المستضعفة معه يتغلب و ينتصر و ينشر الاسلام في بقعة واسعة في عدد من السنوات لا يتجاوز عدد الأصابع.

و لو أن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لم ينجح في مهمته و قتل قبل أن يتمها و يبلغ الرسالة، لرأينا كيف أنهم كانوا سيتبجحون بأنفسهم و حسن رأيهم و صواب نظرهم حينما طلبوا منه التخلي عن الرسالة و حينما امتنعوا من الانضمام اليها أو تأييدها، و سيثنون علي حصافتهم و حسن تقديرهم للأمور، و لرأينا حتي اليوم من يتوجه بالنقد و اللوم المباشر له صلي الله عليه و آله و سلم بنفس الحماس الذي أبداه الكفار و مشركو قريش، غير أن الكفة مالت لصالح الاسلام، و انتصر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي رغم قريش و أعوانها و حلفائها، و لم ير هؤلاء بدا من الاعتراف بصواب نهجه صلي الله عليه و آله و سلم في العمل و نشر الرسالة الاسلامية، و ربما أدرك الكثيرون منهم - فيما بعد - السبب الحقيقي الذي جعله ينتصر علي أعدائه رغم الصعوبات و المخاطر الجمة.

لقد التحق الكثيرون منهم بركب المسلمين رغم عدائهم القديم السافر، لأن ما سعي اليه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قد تحقق في حياته، و قامت الدولة الاسلامية بقيادته تنشر سلطانها حتي حدود أقوي امبراطوريتين في العالم، و لم يقل أحد ممن أعلن عداءه للاسلام في بدء الدعوة، أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان مخطئا في تحديه قوي الكفر و الشرك، و ما عادت تهمة الجنون و السحر و ما شابهها تثير السخرية الا علي أولئك الذين أطلقوها من قبل.

كان حكمهم عليه صلي الله عليه و آله و سلم بالجنون و السحر و ما شابهها لأنهم ظنوا أنه لن يستطيع التغلب علي القوي العاتية التي كانت تقف بوجهه، و قد اختفت التهمة حالما انتصر و أقام دولة الاسلام.

و عاد الحكم يصدر ثانية علي الحسين عليه السلام ممثل الرسالة الحقيقي و خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الفعلي لأن من أصدره كان يتصور أن ما كان يقوم به كان عبثا، فالدولة الأموية التي استأثرت بمكاسب المسلمين و تحكمت بكل شي ء وفق قوانين شخصية لا تمت الي الاسلام، و التي ابتلعت أحدي الامبراطوريتين و أصبحت تنافس الأخري


و تهددها، و كانت تبدو كائنا هائلا لا يمكن التصدي له و الصمود أمامه و اعادته الي الصواب.

و كان كل سعي باتجاه اعادة هذه الدولة الي خط الاسلام يبدو عبثا لا طائل تحته، و كان الأمر يبدو مجازفة خطيرة هي أقرب الي الجنون، و لن تكون النتيجة المباشرة لهذا السعي سوي التعرض لانتقام هذه الدولة و بطشها، و هو الأمر الذي لم يكن أحد مستعدا للتعرض له، بعد أن كان سعي الدولة طيلة عشرين عاما موجها لاسكات الأصوات المعارضة و شراء ما يمكن شراؤه منها، و القضاء الجسدي بشكل طائش بأعمال غير مسؤولة تبدو و كأنها نتيجة مباشرة لأعمال أولئك المعارضين، و هو ما يردده الي الآن بعض من يتصدون لتاريخ تلك الفترة، أما ما يتحقق بعد ذلك من نتائج فهو أمر لم يكلف أحد منهم نفسه التعرض له، مع أن الكثيرين من معاصري الحسين عليه السلام و ممن ترددوا عن الالتحاق به و المشاركة بثورته ندموا علي مواقفهم المتخاذلة السلبية، و انتفضوا بعد ذلك بوجه يزيد و النظام الأموي، الذي لجأ الي المزيد من أساليب البطش الدموي للقضاء علي كل من يقف بوجهه بعد قتل الحسين عليه السلام و أصحابه في واقعة الطف، و مر الحادث و كأنه أضاف قوة الي قوة الدولة التي بدت قوية مزدهرة تعيش حالة احتفالية سعيدة (بالقضاء) علي أعدائها.

و من هنا كان حكمهم علي سعي الحسين عليه السلام منذ البداية بأنه فاشل لأنه قد لا يستطيع ازاحة يزيد حالا و أنه سيتعرض للقتل و ستتعرض عائلته للأذي و التشرد و سيحرم من يتبقي منها من أعطيات الدولة و جوائزها و كرمها، و هذه نتيجة بدت غير سارة و بدت و كأنها عبث لا طائل من ورائه، و مع أن هذه النتيجة كانت محتملة من قبل الامام الحسين عليه السلام نفسه، بل و بدت و كأنها مؤكدة الا أنه كان يري النتائج الأخري المحتملة، و هو أمر رآه جديرا بتلك التضحيات الكبيرة التي قام بها.

و كان نفس ما حدث مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سيحدث ثانية مع الحسين عليه السلام لو أنه دحر الجيش المعادي و تغلب عليه و سيطر بعد ذلك علي الحكم، كان أولئك الناصحون و المحذرون و المتخاذلون أنفسهم سيأتون و يطرحون أنفسهم تحت قدميه معتذرين عن تخلفهم عنه لأنهم لم يكونوا يحسبوا أنه يستطيع القضاء علي يزيد أو طرده و أنه سيتبوأ مركزه الحقيقي في قيادة الأمة، أما و أنه قد استطاع فعل ذلك فهم الآن في خدمته و جنود بين يديه.


لقد كان ذلك هو مقياس النصر الوحيد في نفوسهم المهزومة، التغلب السريع علي العدو في ساحة القتال، فمن يعيش عد منتصرا، و من يقتل عد مهزوما.

و كانوا يحسبون أنهم قد يستطيعون تبرئة ذممهم بنصيحة مجردة - تلقي علي استحياء - قد يتقبلها أو لا يتقبلها السلطان، و حتي هذه النصيحة قد لا يتوجب عليهم القيام بها اذا ما أرادوا أنه قد لا يستجيب لها و قد يرفضها أو يعاقب عليها [2] ، و هو مخالفة لكل قوانين الاسلام الأساسية. كما أشار الامام الحسين عليه السلام الي ذلك بوضوح.


پاورقي

[1] مقدمة ابن‏خلدون 240 / 239.

[2] و قد أدي اهمال الناس الأمر المعروف و النهي عن المنکر الي تمادي (الخلفاء الأمويين) في عبثهم و خروجهم المعلن عن الاسلام، و دعوتهم علانية الي ترک هذه الفريضة، و قد خطب عبد الملک بعد قتل ابن‏الزبير بمکة خطبة جاء فيها: (أما بعد: فلست بالخليفة المستضعف يعني عثمان و لا الخليفة المداهن يعني معاوية و لا الخليفة المأمون هذه الأمة الا بالسيف حتي تستقيم لي قناتکم. تکلفوننا أعمال المهاجرين و لا تعملون مثل أعمالهم؟ فلن تزدادوا الا عقوبة حتي يحکم السيف بيننا و بينکم، ألا و انا نحمل لکم کل شي‏ء الا و ثوبا علي أمير أو نصب راية، و الله لا يأمرني أحد بتقوي الله بعد مقامي هذا الا ضربت عنقه) تاريخ الخلفاء، السيوطي 204 / 203، و دعوة عبدالملک هذه لا تحتاج الي بيان أو ايضاح.