بازگشت

الامام الحسين أمل الأمة الاسلامية


كان الامام الحسين عليه السلام الأمل الوحيد المتبقي أمام الأمة، و كانت ترقب ما سيقوم به، بل و تتوقع ذلك ليست وحدها و حسب، و انما حتي أولئك الذين اغتصبوا


السلطة كانوا يدركون قوة موقف الحسين عليه السلام و قوة قضية أما يزيد، و أنه يمكن أن يعصف بعرشه في لحظات قد يستطيع فيها أيقاظها و جرها الي جانبه.

و هكذا رأينا كيف أن معاوية قد كتب عهدا لعبيدالله بن زياد علي الكوفة، و أودعه لدي سرجون الرومي مولاه و مستشاره، و أوصاه أن يظهره ليزيد اذا ما أحس بوادر خطر محتملة من الحسين عليه السلام.

كان معاوية يدرك أن الحسين عليه السلام لا يمكن أن يتنازل أمام يزيد و يخضع له أو يهادنه، و قد حاول أن يثنيه عن عزمه منذ البداية و يستميله الي جانبه، الا أنه فشل فشلا ذريعا.

و بقي الحسين عليه السلام ثابتا علي موقفه بعد وفاة معاوية و استلام يزيد الحكم، لقد رفض النظام كله من خلال رفضه يزيد، و لم يكن ينطلق من رغبة شخصية بحتة، و مزاج رافض لدولة الظلم الأموية أو خلفيات اجتماعية و عائلية لا تتقبل وجود يزيد لأنه وريث أمية و ابن معاوية، ولكنه كان ينظر بمنظار أشمل و أوسع و كان يضع أمامه مصلحة الأمة و حياتها و استمرار وجودها و بقائها أمة اسلامية تعيش حياة اسلامية و جوا اسلاميا و تتنفس هواء اسلاميا نقيا، لا أمة تعيش علي الهامش و يعيش أبناؤها في ظل الانحراف و الظلم متشرذمين متفرقين غارقين في حمأة الجهل و الفاقة و الرذيلة،

فيزيد لم يكد يستلم الحكم بعد، و لم تر الأمة منه ظلما أو جورا لأنه لم يحكم الا منذ أيام قليلة، و ربما حقق بعض المكاسب الظاهرية في بداية مجي ء حكمه كما كان يفعل بعض الحكام الجدد الدين يستلمون السلطة لأول مرة لاستمالة الناس اليهم، فلماذا رفضه الحسين؟

رفضه لأنه كان وريث الحكم الجائر و ممثله الأول، الحكم الذي ما كان له أن يوجد بالشكل الذي كان عليه في عهد معاوية، و كان ينبغي أن يكون استمرارا لحكومة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه، الا أنه انحرف و شذ حتي لم يعد من الاسلام الا اسمه، و لأن يزيد كان خلاصة لمعاوية و نسخة منه، مع أنها نسخة ليست أفضل من النسخة الأصلية المزوقة المحسنة، لأنه لم يهتم بتحسين مظهره أمام الأمة كما أوصاه أبوه، و لم يكلف نفسه عناء الاهتمام حتي بالممارسات و الاداءات العبادية المظهرية كالصلاة و الصيام، و لم يتجنب بعض ما اشتهر به ويتكتم علي أفعاله، اذ قد يكون من شأن ذلك أن يجعل الأمة راضية عنه و يجعل منه شخصا مقبولا بنظر العديدين من أفرادها.


كان وريث (الخلافة) و ولي العهد قد تمادي الي أبعد حد في استهتاره و استهانته بالأمة منذ البداية، منذ نعومة أظفاره، و طيلة حياته و قبل استلامه المنصب، لم ير أمامه أمة يمكن أن تراعي أو يحسب لها حساب، بل وجد أمة ضعيفة منقادة و خاضعة لأبيه خضوعا تاما، ورآها تستجيب لمبايعته - رغم علمها بحقيقته - صاغرة ذليلة.

و قد رأي أيضا أنها لابد ستسكت عن نزواته و شذوذه و انحرافه في المستقبل، و لم ير نفسه ملزما بتكليف نفسه لاخفاء حقيقته أمامها و التستر علي أفعاله المشينة، كان هذا هو خليفة المسلمين و قائدهم و حاكمهم، و لم يكن شخصا عاديا يحتل مركزا بسيطا لا أثر له في حياتهم و مصائرهم، و أنه سيعيش و يرحل دون أن يترك أبلغ الآثار و أشدها خطورة عليها.

و هكذا هب الحسين عليه السلام لنصرتها و نجدتها في هذا الموقف العصيب الذي وجدت نفسها فيه، و هي مرغمة صاغرة، و كان أول أمر أشغل فيه يزيد نفسه بعد وفاة أبيه معاوية هو طلب بيعة الحسين عليه السلام و بعض من كان يحتمل معارضتهم لحكمه و منهم ابن الزبير، و قد أرسل الي عامله علي المدينة، يأمره سرا باجبار الحسين عليه السلام علي مبايعته، و قد وجدنا أن الحسين عليه السلام رفض رفضا حاسما و قد ترك المدينة حالا الي مكة، ثم غادرها بعد ورود كتب أهل العراق اليه عالما أن بقاءه فيها سيتيح ليزيد و جنوده استباحتها و قتله فيها دون أن يترك ذلك أثرا علي المديين القريب و البعيد، و سيضيع (الحادث) دون أن تنتبه الأمة الي ما سيحدث، و سيعمل الاعلام المضلل علي أن يمر دون أن يؤثر علي مجريات الأمور بأي حال من الأحوال.

كانت تلك الفترة الحافلة بنذر القلق و الترقب و الهفة الي معرفة ما سيجري في ظل الحاكم الجديد الذي مهد له أبوه الأمور و ذلل أعناق العرب علي حد تعبيره هي التي سار فيها الامام الي الكوفة، و كان تأثير الخروج الي الكوفة - كحدث غير اعتيادي - بالغا، اذ أنه ذهب ليتزعم جماعات عديدة دعته الي نصرتها و قيادتها للوقوف بوجه النظام الباغي المتسلط، و كان ذلك يشكل عنصر اثاره للأمة المستسلمة الخائفة و يشغل بالها و يثير قلقها و هي تري الحسين عليه السلام يتصدي للنظام الذي بدا أمامها متماسكا قويا، بأناس غير مضمونين، و غير واثقين من أنفسهم، و قد يتغيرون و ينقلبون عليه مع أنهم هم الذين وجهوا الدعوة اليه لقيادتهم.

و قد رأينا في غضون هذه الدراسة لهفة العديدين للالتقاء بالحسين عليه السلام (لنصحه) أو تحذيره من الذهاب الي الكوفة، و من هؤلاء أناس قريبون اليه، و قد


تكون نصائحهم و تحذيراتهم بدافع الحب و الشفقة عليه، لكنهم كانوا يفكرون بعقلياتهم و تصوراتهم الخاصة، و لم يكونوا يحملون عقلية الحسين و تصور الحسين عليه السلام و لم يكونوا يرون ما كان يراه من عواقب و خيمة اذا ما آثر التراجع او الاستسلام و الخضوع و المهادنة.

كانوا لا يرون من المسألة الا جانبها الشخصي الفردي، و لم يكونوا يفكرون بمستقبل الأمة علي المدي البعيد.

و لو أن الحسين هادن يزيد و صالحه، لأصبح فردا عاديا من أفراد هذه الأمة، ولكان قد أزال بنفسه مبرر وجوده اماما حقيقيا للأمة، و لما عادت له قوة التأثير الكبيرة التي اتسعت بعد استشهاده و التي لا تزال تتسع و تنمو حتي اليوم، و لما انتفضت الأمة عشرات المرات بوجه حكامها المنحرفين و تساءلت عن أسباب وجودهم علي رأسها، و عملت علي التخلص من كل انحراف و جور، مع أن الفرصة لم تتح لها دائما لفعل ذلك.

و لو أنه عليه السلام هادن يزيد، لأمضي بقية سنوات عمره، و هي قليلة حتما، اذ أنه تجاوز الخمسين من العمر بأربع سنوات، في هدوء و طمأنينة، ولكنه في مقابل ذلك سيجعل الأمة تفقد هدوءها و طمأنينتها الي الأبد و هو أمر ما كان الحسين عليه السلام ليفعله بأي حال من الأحوال.

و قد رأينا اجاباته المصممة الحازمة لكل أولئك (الناصحين) و المحذرين، و كانت تدل كلها دون استثناء علي أنه قد قرر المضي في مهمته حتي ولو لم يتبق معه أحد.

و لم يبق مع الحسين عليه السلام سوي القلة من أصحابه و أهل بيته الذين رافقه معظمهم من المدينة و قد عزموا علي خوض المعركة التي خاضها و كانوا يعلمون أنهم سيموتون معه عليه السلام غير أنهم علموا أنهم سينتصرون في النهاية حتي و أن ماتوا، ينتصرون أولا علي أنفسهم التي قهروا مخاوفها و أطماعها، و جعلوها لا تهاب الموت، و لا تتصور أنه النهاية المأساوية المتوقعة، كما يتصور من فقدوا ايمانهم، كما جعلوها ترحب به و تتشوق اليه و تقبل عليه بروح مصممة قوية، لأنه سيكون سبيلا لانقاذ الأمة كلها، و هو أمر كانوا حريصين عليه كل الحرص، سيما و أن ذلك سيكون بداية لحياة دائمية كريمة مع الحسين عليه السلام في جنة الخلد.


كانوا يمضون بنفس العزيمة التي مضي بها البدريون لطلب الشهادة مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ما كانت تصوراتهم و أهدافهم - تلك التي حملها البدريون الأوائل - تفوق الطاقة العادية للبشر، و أن لا أحد يمكن أن يقدم علي الموت كما أقدموا فان هؤلاء أثبتوا أن ما عمله أولئك كان في حدود الطاقة البشرية، و أي فرد من أفراد الأمة قادر علي فعل ما فعلوه غير حاسب أنه قد خسر حياته، بل أنه قد ربحها اذ قدمها مقابل قضية عادلة حقيقية يتعلق بها مصير الأمة كلها، بل و حياتها أيضا.