بازگشت

الموقف الدقيق و الحساس للامام الحسين


كان موقف الامام الحسين عليه السلام حساسا و دقيقا للغاية فقد كانت الأمة كلها تتطلع اليه و تري رد فعله و تقييمه للوضع كله، و كانت تنتظر كلمة واحدة منه لتسقط الي الأبد أو ترتفع الي الأبد، و لم يكن أحد من أبنائها يتصور أن الحسين عليه السلام يمكن أن يهوي بها، و يستسلم ليزيد أو يقر له بخلافة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قيادة الأمة، فقد كان ذلك أمرا غير ممكن و كان يعني اقرارا من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بشرعية خلافة يزيد، ان مجرد تصور هذا الأمر لم يكن مما يمكن أن يتبادر الي ذهن أحد اذ أن ذلك سيعني الاعلان (الشرعي) للأمة بالانحراف و ترك الاسلام نهائيا، كانت الأمة منهزمة في داخلها و مذعنة لارادة رجل واحد سيطر عليها و طوعها لتنفيذ أهدافه و غاياته و مصالحه الشخصية، و مع أنها كانت تنحرف، و كانت مستسلمة و ضعيفة الا أنها كانت غير راضية في قرارة نفسها بهذا الانحراف و هذا الانحدار، مع أنها تدرك أنها غير قادرة علي تغيير نفسها، كانت تنتظر قوة أكبر من قوتها، و ارادة أقوي من ارادتها لتقوم بهذا التغيير، فقد كانت تعلم أنها مشلولة و أنها ضعيفة و أنه لابد لها أن تستعين في النهاية بتلك القوة الأخري لانقاذها و انتشالها من حالتها المأساوية.

كان حالها حال بعض شيوخ أهل الكوفة الذين تحدثنا عنهم و الذين وقفوا علي أحد التلال يتفرجون علي واقعة الطف و هم يبكون و دموعهم تسيل علي وجوههم، و يدعون الله أن ينزل نصره علي الحسين عليه السلام و قد أثار موقفهم هذا حنق أحد المارة و قد شاهدهم في تلك الحال، و عندها قرعهم و وبخهم علي موقفهم هذا، فلماذا لا يذهبون لنصرة الحسين عليه السلام ماداموا يرغبون بذلك، و اكتفوا بالبكاء، و سكب الدموع، لم يجبه أحد منهم، اذ كيف سيجيبونه؟


لقد وصل فعلهم الي حد التمني و سكب الدموع و حسب، أما ارادتهم التي سلبت منهم فلم تعد تساعدهم علي القيام بفعل ايجابي كذلك الذي قام به أصحاب الحسين عليه السلام.

لقد تمني أصحاب الحسين عليه السلام أن ينتصر الحسين و ينتصروا معه، فقاتلوا و استشهدوا بين يديه، و سعوا لتحقيق أمنيتم بفعل ارادي حر، فلماذا لا يفعل هؤلاء ما فعل أولئك و يذهبوا معه الي ساحة القتال لكي تميل الكفة الي جانبه و يتحقق النصر الذي تمنوه؟

لم يجدوا أنفسهم قادرين علي أكثر من الذهاب الي الحد الذي وصلوا اليه، و هو الأمنيات تتردد في قلوبهم، و قد ترددها شفاههم همسا، اذ لم يريدوا لأحد أن يعرف ذلك، فمع أنهم تمنوا النصر للحسين، فقد كانوا خائفين من الوحش الأموي أشد الخوف.

كان هؤلاء نموذجا للأمة المستسلمة اليائسة الخائفة الواقعة في الفخ المظلم الذي أوقعها فيه من كان ينبغي أن تري فيهم اعداءها لا قادتها و أئمتها.

غير أن ما ينبغي أن لا يحدث قد حدث، و انحرفت الأمة، و كانت تدرك ذلك، و كان من يدرك ذلك بوضوح شديد هو قائدها الحقيقي الفعلي المنحي و المبعد عن مركز القيادة، و الذي جعلت دولة الانحراف جل همها القضاء عليه، أما باستمالته الي جانبها أو أبعاده أو قتله، و كان يعلم أنه لو وضع يده بيد يزيد و هادنه و أقر له بمشروعية خلافته و حكمه، لكان قد وقع صك التنازل النهائي للأمة، و أعلن خضوعها الي الأبد للأنظمة الفرعونية الفردية المستبدة، و لكان فعله اشارة واضحة للأمة بأن عليها أن لا تفكر بالاسلام بشكل جدي بعد الآن، و أن لا تعتبره الا كحدث وقع في تاريخها و عاشته أياما قصيرة سعيدة ثم انتهي حلما ليتها لم تره اذ أنها ما أن ذاقت حلاوته و عاشت في أجوائه السعيدة، حتي اختفي لتظل هي تعيش واقعا مرا مليئا بالآلام و النكبات و التأخر و الانحطاط.