بازگشت

هل كان أمر الأمة جميعها حقا و علي أي شي ء اجتمعت


هل اجتمعت علي يزيد و اختارته بحريتها و ارادتها و وعيها؟ هل كان يزيد نتاج ولادة طبيعية و ارادة حرة و هل كان تركيبها - كأمة اسلامية - طبيعيا و وجود يزيد خليفة عليها أمرا طبيعيا؟ و هل جاء من يريد حرمانها من حرية الاختيار الواعي تلك و يعيدها الي دروب الجاهلية و ممارساتها، فلجأت الي السيف لتقتله رغم مركزه، رغم أنه كان من الجيل الذي نوه عنه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أشار الي أنه خير الأجيال..؟

ألا تبدو مثل هذه (الأحاديث) موضوعة عمدا لكي تتصدي دولة الظلم لاعدائها، و التي كانت تري أن هؤلاء الأعداء لابد أن يكونوا من بين أكثر الناس وعيا و أكثرهم شعورا بالمسؤولية و من بيت النبوة، لكي تبرر هجمتها الشرسة عليهم و استباحتها لهم مخترقة بذلك ستار التقديس و الاحترام اللذين تكنهما الأمة لهم، و لكي تستطيع بعد ذلك التصدي لكل معارض مهما كان مركزه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و من المسلمين؟

أليس هذا ما حصل بالضبط بعد ذلك؟

هل الحديث هنا عن أمة تعيش ظروفا صحية و أجواء نقية، عن أمة تعرف طريقها و دينها و امامها و تسير خلفه و تجتمع حوله دون أن تتأثر بالأبواق و الدعايات و الأساليب المضللة؟

أم أنها تتحدث عن حقبة من التاريخ أريد فيها لأمتنا أن تكون مسخا، و أريد لمولودها أن يكون مشوها و غير طبيعي، و أريد لخليفتها أن يكون فاسقا مدمنا علي فسقه و فجوره و انحرافه..؟

و هل كان مصير المسلمين الي أبد الدهر مرهونا بارادة يزيد و أمثاله و سلوكهم غير المنضبط، و أن الله قد أمر بطاعتهم مادامت الأمة قد (اجتمعت) حولهم و أصبحوا قادة لها، مهما تكن الأساليب التي وصلوا بها الي منصب القيادة؟

هل جاء مائة و أربع و عشرون ألف نبي ليصلوا الي خلاصة عظيمة، هي رسالة الاسلام، و أكبر مكسب للبشرية، ليقطف ثمارها يزيد وحده و من هم علي شاكلته،


و لتحرم منها بعد ذلك مليارات من البشر عاشوا علي هذه الأرض و كان من حقهم أن يعيشوا حياة الاسلام كما أرادها لهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟

أليست هذه نتيجة محزنة حقا؟

و الا فكيف نستطيع اقناع انسان (و لو كان) ساذجا بالصلاة خلف امام لا يصلي و يهمل الصلاة و يضيعها و يميتها في أغلب الأحيان؟ كما ذكر عن يزيد بالفعل، مما ذكرناه في هذه الدراسة، و كيف يمنع الامام الفاسق الأمة من الانغمار في الفسق؟ هذا اذا رغب في ذلك أصلا، الا يسعي في هذه الحال لجرها الي ما اعتاد هو عليه؟

هل ناقشنا كيف أصبح الفاسق اماما للأمة و خليفة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كيف مهد أبوه ذلك له، فسن بذلك سنة سيئة في دولة الاسلام الناشئة أضافها لعشرات السنن السيئة التي سنها ليتحمل وزرها و وزر من يعمل بها الي يوم القيامة؟

لقد راح العديدون منا يثنون علي ذلك الأب الذي جعل هدفه منذ البداية مناوأة الاسلام و اعلان الحرب علي الدولة الاسلامية منذ نشأتها علي يد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و حتي مجي ء أميرالمؤمنين عليه السلام و حكمه الفعلي، و قد عمل علي تخريب تلك الدولة و القوة الكبيرة الأولي المسيطرة فيها، و لم يدع لنا هؤلاء مجالا حتي لانتقاد يزيد، بحجة أنه من التابعين و من القرن الذي تلي قرن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، (و حملوا ما صدر عنه من سوء التصرفات علي أنه تأول فأخطأ). [1] .

فهل أنه كلف نفسه عناء النظر و الاجتهاد حتي تأول فأخطأ؟ و هل أخطأ بحادث واحد أو تصرف معين، و انتهي الأمر و أصبحنا لا نناقش الا ذلك الأمر الذي أخطأ فيه، أم أنه انتهج سبيل الخطأ و الرذيلة منذ البداية، و كانت أعماله سلسلة من الأخطاء الشنيعة التي لا يمكن تبريرها بحال؟

ثم: كيف؟ و بم تأول؟ و علي أي أساس أو منهج في البحث و النظر؟ لقد استخدم الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية الشريفة (الموضوعة و غير الموضوعة)، ليبرر بها تصرفاته و يستثمرها لصالحه، و لم ير أنه كان بحاجة للرجوع اليها و اعتمادها، ليكون في قسم منها مصيبا و في قسم آخر منها مخطئا، فقد كان يفعل فعلته ثم يأتي من يبررها له بعد ذلك، و لم يكن أحد يجرؤ علي رفع أصبع في وجهه، و ليقول له أنه


أخطأ و أن عليه أن لا يعود الي ذلك ثانية، مادام قد وظف في خدمته جيشا من المحدثين و الفقهاء و (الصحابة) و القصاصين و الشعراء و رؤساء القبائل و قادة الجند و غيرهم، ثم أنهم يعتبرن أن خليفته، الذي هو خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لم يفعل شيئا كبيرا الا ما ذكروه عنه من شرب الخمر و اتيانه بعض القاذورات، و لم يتهموه بزندقة كما يقذفه بذلك بعض الروافض.

(و قد روي أن يزيد كان قد اشتهر بالمعازف و شرب الخمر و الغناء و الصيد و اتخاذ الغلمان و القيان و الكلاب و النطاح بين الكباش و الدباب و القرود، و ما من يوم الا يصبح فيه مخمورا). [2] .

و اذ لم يستطع موظفو يزيد و من جاء بعدهم من مرتزقة دول الانحراف دفع تهمة الفسوق عنه، فانهم حاولوا الدفاع عنه ضد من اتهمه بتهمة الزندقة من الروافض طبعا..!

متناسين الأشعار التي كان يرددها حول تلاعب هاشم بالملك.

(فلا ملك جاء و لا وحي نزل). [3] .

متهمين معارضيه بأنهم هم الذين وضعوا تلك الأشعار.

تري لو صح ما قالوا، و كان هذا الشعر و الأقوال الأخري التي رويت عن يزيد مكذوبة و أنه مفتري عليه، أما كانت أفعاله كافية لكي تدل عن انتهاجه سبيل الزندقة و الكفر و الخروج المعلن عن الاسلام و تعاليمه؟

و هل الزندقة - بنظرهم - هي الترويج النظري الأفكار و الآراء المعادية للاسلام و حسب، أما السلوك المعادي و المغاير لسلوك المسلمين، فلا يعد من الزندقة مادام صاحبه لم ينكر بلسانه - بعد - شهادة لا اله الا الله، مع أنه قد أنكرها بفعله؟


لم تكن الأوضاع التي تمر بها الأمة، و هي تعيش بظل قيادة منحرفة جاهلة، مما يمكن السكوت عنه، اذ أن ذلك يعني الاقرار بشرعية تلك القيادة و سلامة تلك الأوضاع،

و حتي الموقف (المحايد) الذي لا يطلب فيه من أحد الادلاء برأي أو الوقوف موقفا معارضا، (و هو ما طلب من الحسين عليه السلام و عرض عليه من بعض (الناصحين) و المستسلمين للسلطة)، يعني اقرار الانحراف و الظلم و الشذوذ.


پاورقي

[1] ابن‏کثير 226 / 7.

[2] ابن‏کثير 239 / 8.

[3] لن نعيد هنا ما رويناه عن بقية المصادر الأخري و کتب التاريخ المعروفة حول شذوذ يزيد و استهتاره و آثرنا نقل ما رواه ابن‏کثير الذي روي لنا أيضا آراء بعض (العلماء) عنه و دعوتهم الي عدم الثورة أو الخروج علي و التبريرت التي طرحوها، رغم فسقه و انحرافه و جنوحه عن خط الاسلام منذ مطلع حياته و حتي وفاته، و هو أمر طريف يدعو للتأمل حقا.