بازگشت

مقولة شرعية الدولة الأموية رغم ثورة الحسين عليها


و لقد ظلت بعض الأبواق التي اعتمدت المنظار و التصور الأمويين تري في يزيد حاكما لائقا علي المسلمين و خليفة مناسبا لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، بالضبط كما خطط معاوية و أراد. و كأن الاسلام عبث، و كأن الله تعالي أرسله الينا لنعبث به و نلهو، و لا نحكمه في حياتنا، و لا نحتفظ منه الا بالجانب التعبدي المظهري، الذي أريد له هو الآخر أن يبدو مهلهلا خلقا لا طعم له و لا أهمية، و تري في ثورة الامام الحسين عليه السلام علي يزيد و رفضه مبايعته و الاستسلام له خروجا علي اجماع الأمة و وحدتها و قيادتها (الشرعية) و كأن الأمة لم تستدرج من قبل معاوية لتقبله وليا لعهده، كأمر واقع، عليا أن لا ترفضه و لا تعرضت لذل الفرقة و الانقسام، و أن بيعة يزيد كانت صحيحة ملزمة للأمة كلها.

تري كيف كانت ستعزف تلك الأبواق لو كان الامام الحسين عليه السلام قد قبل بيزيد و وضع يده في يده؟

في غمرة النقاش و الجدل البيزنطي العقيم، قام عشرات من فقهاء الدولة و موظفيها و كتابها المأجورين، يبينون لنا (بأجلي برهان) كيف أن بيعة يزيد كات ملزمة للأمة كلها، و أنها تصح حتي لو انعقدت بواحد، و كيف أن الخروج عليه يعني الخروج عن الاسلام، و راحوا يبتكرون و يضعون و يلفقون الروايات الكاذبة علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و يجعلون من بعض تصرفات الخلفاء سنة ملزمة، مع أن الأمر ليس كذلك بالفعل، و أن الأمر الملزم حقا هو كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و سلم و أوصيائه صلي الله عليه و آله و سلم، كما ورد بأحاديث صحيحة ثابتة لا ينكرها حتي أولئك المطبلون المزمرون.


و اذا لم يستطع أحد انكار فسق يزيد و استهتاره و قالوا:

(انه كان مع ذلك اماما فاسقا) [1] .

و مع أن يزيد كان منذ البداية معلنا خروجه السافر عن الاسلام في عهد والده، و بعد ذلك كانت الأمة كلها تعرف ذلك. فانهم لم يروا لأحد أن يخرج عليه أو يعزله، مبررين ذلك بأقوال هزيلة منسوبة الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، علي أنه لا يفوتنا أنهم وضعوا تبريراتهم تلك في ظل الحكم الأموي و في ظل أنماط من الحكم اعتمدت الصيغة الأموية أساسا في التعامل و في الحياة و السياسة، و في ظل حكام لا يقلون عن يزيد فسقا و استهتارا و خروجا عن الاسلام.

قالوا:

(و الامام اذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه، علي أصح قول العلماء، بل و لا يجوز الخروج عليه، لما في ذلك من اثارة الفتنة، و وقوع الهرج، و سفك الدم الحرام، و نهب الأموال، و فعل الفواحش مع النساء و غيرهن، و غير ذلك، مع كل واحدة فيها من الفساد أضعاف فسقه، كما جري مما تقدم الي يومنا هذا). [2] .

هل ثار الحسين عليه السلام علي يزيد و أراد عزله بمجرد فسق طاري أم لأن يزيد كان


فاسقا منذ البداية و لم تظهر منه بادرة علي أنه حاول التراجع عن سلوكه المعلن الذي ظهر عند الكافة من أهل عصره علي حد تعبير ابن خلدون، و كان مدمنا عليه، و ممثلا لكل الفسقة في عصره و في كل العصور؟

كيف أجاز العلماء للامام أن يفسق و يفسق و يظل فاسقا، بل و مثالا لكل فاسق، مع أنه خليفة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أمينا علي وحيه و دينه؟

هل نسوا أن الأمة التي يتحدثون عنها هنا هي الأمة الاسلامية؟

أم لعلهم اعتقدوا أنهم مقبلون علي رؤية أمة منقرضة في أواخر عهدها كالأمة الرومانية؟

ان الحديث هنا - كما ينبغي أن ندرك جيدا - هو عن الأمة الاسلامية التي تحمل القرآن و تقيم دينا هو خلاصة لجهود مئات الأنبياء و تضحياتهم، و التي ينبغي أن يكون كل فرد منها - مهما قلت مسؤولياته - ممثلا عن الاسلام و صورة جميلة له، و كان جديرا بقائد الأمة و امامها أن يكون بمستوي مسؤولياته الجسمية، لا حبيس ملذاته و شهواته و طموحاته المتدنية، فمصير الأمة كلها، اليوم و غدا رهين بسلوكه و تصرفاته.

هل يدعو الاسلام الأمة للاستسلام و عدم التدخل بشؤون حاكم الدولة التي هي شؤونها، و غض النظر عن تصرفاته المشينة الخارجة عن تعاليم الاسلام و تشريعاته بحجة عدم اثارة الفتنة، و وقوع الهرج و سفك الدماء و فعل الفواحش مع النساء و غيرهن، ليتمادي أكثر فأكثر بعد ذلك و يخرج عن الاسلام جملة و تفصيلا؟

و أي فتنة أكبر من فتنة وجود شخص غير موهل لتسلم أبسط المسؤوليات العادية، في مركز قيادة عشرات الملايين من أبناء الأمة خليفة لرسول صلي الله عليه و آله و سلم و ممثلا له؟

و أي جريمة أكبر من جريمة السكوت عن ذلك؟


پاورقي

[1] البداية و النهاية، ابن‏کثير 226 / 8، و ورد في مقدمة ابن‏خلدون: (... ظهر فسق يزيد عنه الکافة من أهل عصر..) ص 339 (... ان يزيد کان فاسقا..) 240، (.. و أما يزيد فعين خطأه فسقه) 241.

[2] ابن‏کثير 227 / 8 و ورد في مقدمة ابن‏خلدون: (... أما غير الحسين من الصحابة الذين کانوا بالحجاز، و مع يزيد بالشام و العراق و من التابعين لهم، فرأوا أن الخروج علي يزيد و ان کان فاسقا لا يجوز، لما ينشأ عنه من الهرج و الدماء، فأقصروا عن ذلک و لم يتابعوا الحسين، و لا أنکروا عليه و لا أثموه، لأنه مجتهد، و هو أسوة المجتهدين، و لا يذهب بک الغلط أن تقول بتأثيم هؤلاء بمخالفة الحسين و قعودهم عن نصره، فانهم أکثر الصحابة، و انوا مع يزيد، و لم يروا الخروج عليه!!) ص 240، علي أنه يقول بعد ذلک: (و لا تقولن أن يزيد، و ان کان فاسقا، و لم يجز هؤلاء الخروج عليه، فأفعاله عندهم صحيحة، و اعلم أنه انما ينفذ من أعمال الفاسق ما کان مشروعا، و قتلا البغاة عندهم من شرطه أن يکون مع الامام العادل، و هو مفقود في مسألتنا، فلا يجوز قتال الحسين مع يزيد و لا ليزيد، بل هي من فعلاته المؤکدة لفسقه، و الحسين فيها شهيد مثاب و هو علي حق و اجتهاد و الصحابة الذين کانوا مع يزيد علي حق أيضا و اجتهاد!!) ص 240.