بازگشت

الامام الحسين قائدا للمعركة


بعد غياب أميرالمؤمنين عليه السلام عن الساحة، و وفاة الامام الحسن عليه السلام، أسفر الانحراف عن وجهه و اعتلنت الدولة الأموية الناشئة رفضها للعديد من قيم الاسلام و تصوراته و مثله، و أرست دعائم جديدة للسياسة و الحكم. و كانت التصرفات المعلنة لأقطاب الحكم و الحاشية و العمال و القادة تدل علي انهماك جاد و وقوع شديد في أحضان الانحراف الذي حاولت الدولة تبريره و ايجاد الذرائع الشرعية، و اختراع الأحاديث و الروايات الملفقة عن لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، لتمريره، و جعل الأمور تبدو بشكل طبيعي، و كأنها استمرار لما كانت عليه في السابق بل و جعلها تبدو و كأنها أكثر اشراقا و بعثا علي الثقة و التفاؤل بالمستقبل في ظل هذا النمط الجديد من الحكم.

و أضحي الاسلام يطبق لا في الشام وحدها، و انما في كل أرجاء العالم الاسلامي، من خلال تصورات معاوية و نظرته و فلسفته القائمة علي تحقيق المصلحة الذاتية لرئيس الدولة، باعتباره المخول و المتصرف الوحيد و الأول فيها. و اذا ما استسلمت الأمة كلها لقوي الانحراف، فلابد أن يظل فيها (هنا و هناك) من يشعر بخطورة الحال و يسعي الي تفادي الأوضاع المأساوية التي تمر بها و تخليصها منها، و أن يوجد من يري أن القادة الحقيقيين لا يزالون موجودين، و يمكن أن يلعبوا الأدوار المناسبة في هذا المجال، رغم أنهم قد أبعدوا عن مركز القيادة الفعلية. و لابد في هذه الحال، أن تتجه أنظارهم الي هؤلاء القادة، و يتوقعوا منهم ممارسة دورهم لانقاذ الأمة من ورطتها و انحدارها. و هنا، لابد لنا أن نتسائل: هل تغيب عن رأس الدولة الداهية ملاحظة الحركات المناوئة لنظامه، و التي قد تتصدي لتصحيح المسيرة؟ هل تغيب عنه ملاحظة وجود القيادة الحقيقية التي تتطلع اليها الأمة و هو يرصد تحركها و نشاطاتها، و مكامن الخطر المحتملة نتيجة لذلك؟ و هل كان من المحتمل أن يظل مكتوف اليدين أمام أي تحرك - مهما كان بسيطا و لا يتخذ الاجراءات القمعية المناسبة لوأده و اخماده؟. ان هذا هو ما فعله بالضبط في حملته المحمومة لتقوية عرشه و تنصيب يزيد خليفة من بعده، و قد أعد لكل ظرف جملة من الاجراءات التي يمكن


القيام بها ضد أي تحرك أو ثورة محتملة، سواء وقعت في عهده أو عهد خليفته من بعده.

ان القادة الحقيقين للأمة و هم آل البيت عليه السلام - كان لابد لهم من ملاحظة الظروف الموضوعية التي يمكن القيام فيها بثورة لتصحيح الانحراف و القضاء علي أسبابه، دون اللجوء الي أي لون من ألوان المجازفة التي قد تفقد الأمة حتي القليل من المكاسب التي حصلت عليها، و تجعل الفئة الحاكمة تلجأ الي أساليب جديدة مبتكرة أو تسفر عن وجهها نهائيا، و تعلن رفضها للاسلام جملة و تفصيلا و قد تتعاون مع أعدائه التقليديين من بقايا الامبروطوريتين اذا ما وجدت نفسها في موقف صعب، و قد تعمد الي استئصال كل من تشم منه رائحة العداء للدولة الفرعوينة الجديدة.

و لذلك رفض الامام الحسين عليه السلام الاستجابة للنداءات الموجهة اليه لاعلان الثورة علي معاوية. و قد أوضحنا الأسباب التي دعته الي ذلك و في مقدمتها المكانة التي استطاع معاوية الحصول عليها بين صفوف فئات عديدة من أبناء هذه الأمة و خصوصا أهل الشام الذين نظروا الي الاسلام و الي الحياة كلها بمنظاره و تبنوا فلسفته، و تحيزوا اليه تحيزا مطلقا، نتيجة للامكانات و القوي التي أعدها لتثبيت أركان الدولة و قدراته و استعداداته الشخصية للتصدي الشرس (المبرر غالبا) لكل من يحاول النيل منه أو القضاء علي دولته.

كان معاوية بنظر الكثيرين من أبناء الأمة المخدوعين، لا يختلف عن غيره من الخلفاء السابقين، و ان مكانته (ككاتب للوحي و خال للمؤمنين و أحد الأمناء الثلاثة) قد أتاحت له أن يتبوأ مركز الزعامة و أن يجعل الكثيرين يعتقدون أن المتصدين و المعادين و الثائرين عليه لم يفعلوا ذلك الا بدافع البغي و الحسد و التنافس علي السلطة و المناصب.

كان بمقدور معاوية الذي واجه أميرالمؤمنين عليه السلام، و هو من تعرف الأمة كلها فضله و مكانته، و نازعه علي هذه المكانة التي أعدها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن يتصدي لكل (منافس) آخر، و هذا (المنافس) لا يمكن بطبيعة الحال أن يبلغ المكانة التي بلغها أميرالمؤمنين عليه السلام بين المسلمين، حتي ولو كان من أولاده عليه السلام.

غير أن يزيد لم يكن يتمتع بالحظوة و المنزلة اللتين تمتع والده، و لم يكن له خبرة و امكانات و (دهاء) ذلك الوالد، مما يتيح له ادارة شؤون الأمة الاسلامية، في


كل أقطارها كما كان يديرها، كما لم تكن له حصافة و مكر ذلك الأب الذي بدا أمام الأمة بذلك المظهر المغلف بالاسلام و الذي مكنه من التظاهر بالورع و الصلاح.

كان يزيد منذ البداية معلنا خروجه السافر عن الاسلام في عهد والده، و بعد ذلك و كانت الأمة كلها تعرف ذلك.

و قد رأينا عند التعرض لدراسة شخصيته أنه كان من أبعد الناس المحتملين كلها، و قد قلنا في بداية الحديث عنه: ان الأمة الاسلامية في عهد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و قبيل و فاته لو سئلت: من كانت تحتمل أن يصبح خليفة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليها بعد خمسين عاما، فانه ما من أحد بكل تأكد يستطيع تصور امكان تبوء شخص كيزيد مركز امامة الأمة و قيادتها خليفة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، اذ أن ذلك لو وقع، لكان معناه أن الأمة قد انتهت كأمة اسلامية، غير أن ما لم يكن محتملا و غير قابل للتصديق، و قد وقع فعلا، و أصبح يزيد أميرا للمؤمنين و قائدا للمسلمين و أصبح الخروج عليه و عن طاعته، خروجا عن الاسلام بنظر الدولة التي تربع علي عرشها، و هنا تبرز مسؤولية الامام الحسين عليه السلام الحقيقية.