بازگشت

كل الدلائل تناقض هذا الزعم


ان ما ذكر بخصوص التراجع المزعوم يناقض تماما مواقف و أقوال الامام عليه السلام و اصراره علي المضي في معركته العادلة ضد الحكم الجائر المنحرف، كما يناقض شهادات بعض المشتركين بالجريمة أنفسهم من أعضاء الوفد الذين حملوا رأس الحسين و رؤوس أصحابه الي يزيد عند روايتهم قصة المذبحة التي حدثت في الطف.

فقد قال زحر بن قيس الجعفي أحد أعضاء الوفد مبشرا يزيد: (ابشر يا أميرالمؤمنين بفتح الله و نصره. ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته، و ستين من شيعته، فسرنا اليهم، فسألناهم أن يستسلموا و ينزلوا علي حكم الأمير عبيدالله بن زياد أو القتال، فاختاروا القتال علي الاستسلام، فعدونا عليهم مع شروق الشمس). [1] .

كان بوسع زحر أن ينكر اصرار الحسين عليه السلام علي القتال، و أن يقول أنه طلب أن يؤخذ الي يزيد أو يرسل الي أحد الثغور أو يعود الي الموضع الذي جاء منه، ولكنه لم يستطع ذلك لأن موقف الحسين و رجاله كان قد وصل الي كل الأسماع، و لن يجد من يصدقه اذا ما ادعي عكس ذلك و عمد الي تحريف أقوال الامام و مواقفه كما حاول أن يفعل القتلة الثلاث، الذين ربما لم يقرروا حتي ذلك الحين أن يقوموا بالحملة الاعلامية المناسبة بعد قتل الحسين و أصحابه.

كما أن شهادات أخري بهذا الخصوص قد نفث بشكل قاطع ما قيل عن طلب الحسين عليه السلام الذهاب الي يزيد ليضع يده في يده.. و قد روي عن عقبة بن سمعان قوله: (صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة الي مكة، و من مكة الي العراق، و لم أفارقه حتي قتل، و ليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة و لا بمكة و لا في الطريق و لا بالعراق و لا في عسكر الي يوم مقتله الا و قد سمعتها. ألا و الله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس و ما يزعمون؛ من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، و لا أن يسيروه الي ثغر من ثغور المسلمين، ولكنه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتي ننظر ما يصير أمر الناس). [2] .


و حتي هذا الطلب الأخير اذا صح أن الحسين عليه السلام قد تقدم به، فانه لا يعدو الا أن يكون من باب القاء الحجة علي أولئك القتلة الذين نووا قتله حقا و رأوا أنها فرصة سانحة - ماداموا قد أعدوا ذلك الجيش الكبير و أن الامام عليه السلام و أصحابه كانوا بتلك القلة - أن يقدموا علي تلك التصفيات الجسدية المروعة التي أقدموا عليها فيما بعد بذلك الأسلوب الشائن، فقد كان الحسين عليه السلام يدرك أن حرص العدو علي تثبيت مصالحه و حكمه سيجعله يقدم علي أية خطوة يراها ضرورية لذلك حتي ولو كانت قتله. و جاءت تصريحاته في عدة مناسبات - كما ذكرنا - معبرة عن ذلك بوضوح.


پاورقي

[1] الطبري 238 / 3 و ابن‏الأثير 437 - 436 / 3 و العقد الفريد 122 / 5.

[2] الطبري 312 / 3 و ابن‏الأثير 413.