مزاعم الخاضع المستسلم
ألا نعجب اذا ما افتري هذه الرواية التي ربما أراد بها تبرير خضوعه و استسلامه هو، بعد اظهار شهادته الكاذبة و مزاعمه - ربما فيما بعد، ليقول: لست أنا الوحيد
الذي وضع يده في يد يزيد و أطاعه و أشهر سيفه في خدمته فحتي الحسين نفسه طلب مني أن يذهب اليه و يضع يده في يده فيري فيما بينه و بينه رأيه أي أنه سينزل علي حكمه و يستسلم له - حقنا لدمه - و في هذا رضي لكم و للأمة صلاح، كما عبر بعد ذلك فرحا بأكذوبته هذه التي أحكم نسجها و حسب أن الأمة ستنخدع بها، فتعذره علي موقفه الذليل الخانع المستجيب للظلم. كما أنه أراد تحميل ابن زياد مسؤولية افساد ذلك الأمر. و هذا بدوره حمل الشمر المسؤولية بعد ذلك.
أما المصدر الثاني للرواية، فهو ابن زياد الذي روي لنا أنه قبل بذلك، و قال لما قرأ الكتاب (هذا كتاب رجل ناصح لأميره، مشفق علي قومه، نعم قد قبلت) [1] قبل بماذا؟ بالخيارات المزعومة التي طرحها الحسين عليه السلام؟.
و منها أن يذهب ليزيد فيضع يده في يده. و هنا ستحسم المسألة من قبل القائد الأعلي للدولة، و سيتصرف هو بعد ذلك بحكمته و سيعفو عن الحسين عليه السلام بعد أن تراجع و أدرك خطأ موقفه و مسعاه، و ربما يسامحه كما ذكرت لنا رواية أخري عنه بعد ذلك - كما سنذكر بعد قليل بعون الله و هو مسلسل ماكر خبيث، الغرض منه الايحاء لنا بأن الحسين عليه السلام قد وجد الأمر مشروعا في النهاية أن يذهب الي يزيد فيضع يده في يده و يستسلم له مادام لم يقدر علي مواجهة جيشه و مقارعته، و أنه - حتي ذلك الحين الذي أدرك فيه عدم قدرته علي المواجهة، رأي أن ينسحب لئلا يثير المزيد من الفرقة و يستنبط المزيد من الدماء.
و بالتأكيد فانه يراد الايحاء بأن هذا ما ينبغي أن يفعله كل من لا يري نفسه مؤهلا لمقارعة دولة الظلم و ازالتها.
و ربما يتخذ هذا الموقف المزعوم ذريعة لتوجيه النقد و اللوم للامام باعتبار أنه كان ينبغي أن يفعل ذلك منذ البداية، و أنه هو الذي جني علي نفسه بعد أن أوقدت الحرب نارها و استعد كل فريق للمنازلة.
و كان الأمر معقولا - حسب الرواية المزعومة أن يقبل ابن زياد بعرض الحسين عليه السلام بل و يفرح به. و هكذا جاء سياق تلك الرواية أنه قد أعلن قبوله بذلك. فبأي شي ء - بعد ذلك - يمكن أن يبرر تراجعه و اصراره علي قتله؟.
هنا، قيل ان شمر بن ذي الجوشن - الشريف الكوفي - قال له: (أتقبل هذا منه، و قد نزل بأرضك الي جنبك؟ و الله لئن رحل من بلدك و لم يضع يده في يدك، ليكونن أولي بالقوة و العز، و لتكونن أولي بالضعف و العجز، فلا تعطه هذه المنزلة). [2] .
و هكذا أحكمت القصة، و برر تراجع ابن زياد و اصراره بعد ذلك علي مقاتلة الحسين و أصحابه حتي ينزلوا علي حكمه دون قيد أو شرط (فان فعلوا فليبعث بهم الي سلما، و ان هم أبوا فليقاتلهم). [3] .
اننا نلمس من اجابة الشمر المزعومة أن الحسين عليه السلام ربما طلب منهم أن يتركوه يعود الي المكان الذي جاء منه دون أن يبايع ليزيد. و هذا ما أشارت اليه بعض الروايات الأخري و بعض من سمع كلام الحسين عليه السلام.
أما لو أنه كان يريد أن يذهب الي الشام فيضع يده بيد يزيد، فلماذا لا يختصر الأمر و يضع يده في يد ابن زياد و ينهي المشكلة؟ و هل يزيد الا كابن زياد؟ بماذا يختلفان؟ ثم أليسا هما أبناء عمومة بزعمهما؟
ثم تمتد حبكة الرواية الي ما بعد ذلك، الي حيث جي ء بالرؤوس الشريفة - و منها رأس الحسين عليه السلام و وضعت بين يدي يزيد، و قيل أنه قال عند ذاك...
(أما و الله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبدا الا أعطيتها اياه، و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت و لو بهلاك بعض ولدي) [4] [5] .
پاورقي
[1] الطبري 313 / 3.
[2] المصادر السابقة / نفس الصفحات.
[3] المصادر السابقة / نفس الصفحات.
[4] و قيل أنه قال عندما بشر بمصرع الحسين و أصحابه عليهالسلام: (قد کنت أرضي من طاعتکم بدون قتل الحسين، لعن الله ابنسمية! أما و الله لو أني صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين). الطبري 338 / 3.
[5] الطبري 341 - 338 / 3 و ابنالأثير 436 / 3 و ابنکثير 437 / 8 و روي في هذا البيت: (أعزة علينا) و أضيف اليه هذا البيت الآخر:
أبي قومنا أن ينصفونا فأنصفت
قواضب في أيماننا تقطر الدما.