بازگشت

تفنيد المزاعم


ان ما يفند الزعم القائل بأن الحسين عليه السلام كان ينوي التراجع عن مسيرته أو الذهاب الي الشام لوضع يده في يد يزيد أمور عديدة قد نستطيع أن نري بها بطلان هذه المزاعم و عدم تطابقها مع واقع حال الحسين عليه السلام و أصحابه في تصميمهم علي الذهاب الي غايتهم مهما كانت المصاعب و المخاطر التي كان يلوح الموت في مقدمتها. و نذكر هنا جملة من الحقائق و الوقائع و وجهات النظر التي تعزز الموقف الرافض لهذا الزعم.

1 - ان مهمة الحر لم تكن ملاقاة الحسين عليه السلام و ازجاء النصيحة له بضرورة الرجوع، و انما حثه علي الاستسلام و ترك القتال و حسب، لم يقل له ارجع و انما قال له: اني أذكرك الله في نفسك فأني أشهد لئن قاتلت لتقتلن و لئن قوتلت لتهلكن فيما أري (و قد مر بنا هذا في القسم الأول من هذا المبحث).

و لم يهم الحسين عليه السلام بالرجوع و انما قال له مستهينا بكلماته: (أفبالموت تخوفني؟ و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ وردد كلمات أخ الأوس الذي كان ينوي الشهادة خلف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

2 - كانت مهمة الحر محددة له من قبل ابن زياد، كما ذكر هو للحسين عليه السلام في اليوم الأول من اللقاء بعد مسيره من شراف: (و قد أمرنا اذا نحن لقيناك ألا نقارقك حتي نقدمك علي عبيدالله بن زياد) و لم يجد الحر في نفسه الجرأة علي مخالفة الأوامر حتي ساعة بدء المعركة. فكيف يدعوه الي الرجوع و يمنعه في نفس الوقت.؟.

3 - لو كان الامام يريد الرجوع أو الاستسلام لرجع قبل ملاقاته الحر بعدة أيام بعد أن بلغه مقتل مسلم و هاني ء و رسوليه قيس و عبدالله. و لما وجد بين أصحابه من يعارض القرار الذي يتخذه لأنهم من أشد الناس قناعة بصواب مواقفه حتي ولو سار به الي الموت، و قد ظلوا متفانين في طاعته و الدفاع عنه الي آخر لحظات حياتهم.


4 - لا يعقل أن يستند الامام عليه السلام في موقف خطير يريد أن يتخذه علي قول أعراب يقولون انهم لا يدرون شيئا، سوي أنهم لا يستطيعون أن يلجوا و يخرجوا، فكيف قابلوا الامام اذا كان التحرك ممنوعا عليهم؟.

و كيف كان يسير بطريق الشام فلقيته الخيول بكربلاء؟.

ان أول خيل لاقت الامام و منعته من التحرك هي خيول الحر بعد خروجه من شراف و هي تبعد عدة أيام عن كربلاء... و لا شك أن هذه الرواية موضوعة بسرعة و يبدو فيها الارتباك و التفكك.

5 - من الرواية الثالثة، و بعد نصيحة الأسديين له بضرورة التراجع و قبل أن يجيب الامام انبري بنو عقيل قائلين و الله لا نبرح حتي ندرك ثأرنا أو نذوق ما ذاق أخونا و من المعلوم أنهم عرفوا موقف الامام مسبقا من هذا الموضوع و في هذا الجو العاطفي المشحون بالحزن و الأسي علي مقتل مسلم و هاني ء انبروا للتعبير عن موقف الجميع بما فيهم الامام، من التراجع و رأوا أنه أمر غير ممكن علي الاطلاق.

و واضح هنا أن الامام لم يقل: حسنا سأتراجع، و عندها انبري بنو عقيل للاعتراض. و انما بادر هؤلاء للاعلان عن موقف الامام الحقيقي الذي وافقهم عليه و كأنه يقول: انظروا الي أصحابي كيف يتمسكون بمهمتهم، فكيف تنتظرون مني موقفا أقل من مواقفهم، و هم قد جاءوا معي لانجاز هذه المهمة الكبيرة.

و لو أنه أمر أصحابه بالتراجع بما فيهم بني عقيل - و هم بمثابة أبنائه - لا يعصون له أمرا و لا يردون له قولا، لاستجابوا له حالا دون تردد لأنهم - كما ذكرنا - يعلمون بصواب مواقفه و أفعاله و يرون أنفسهم ملزمين باتباعها و السير وفقها.

و لم تكن المسألة برمتها مسألة عصبية أو ثأر دفع بني عقيل للمضي الي النهاية بقدر ما كانت المسألة الانتصار للحسين و قضيته. و قد رأينا أداءهم الرائع في المعركة و تقدمهم لملاقاة العدو الذي يتفوق عليهم بالعدد و العدة دون اهتمام بقوته، و كان جل اهتمامهم منصبا علي أن يشهد أمامهم ذلك الأداء العظيم في تلك المعركة الفاصلة التي لفتت أنظار الأمة الي عدالة قضيتهم لحماية الاسلام.