بازگشت

في (عذيب الهجانات) التحقوا به رغم الحصار ليفوزوا فوزا عظيما


في (عذيب الهجانات) التحق بركب الامام عليه السلام أربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة علي رواحلهم منهم نافع بن هلال الجملي و مجمع بن عبدالله العائذي (دليلهم الطرماح بن عدي علي فرسه و هو يقول:



يا ناقتي لا تذعري من زجري

و شمري قبل طلوع الفجر



بخير ركبان و خير سفر

حتي تحلي بكريم النجر



الماجد الحر رحيب الصدر

أتي به الله لخير أمر



ثمة أبقاه بقاء الدهر

فلما انتهوا الي الحسين أنشدوه هذه الأبيات فقال: أما و الله اني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا، قتلنا أم ظفرنا). [1] .



و قد حاول الحر منعهم من الالتحاق به و حبسهم و ارسالهم الي ابن زياد بحجة أنهم من أهل الكوفة و أنهم ليسوا ممن أقبل مع الامام، الا أن الامام أصر علي عدم التخلي عنهم قائلا: (لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي، انما هؤلاء أنصاري و أعواني، و قد كنت أعطيتني ألا تعرض لي بشي ء حتي يأتيك كتاب من ابن زياد.

فقال: أجل، لكن لم يأتوا معك.

قال: هم أصحابي، و هم بمنزلة من جاء معي، فان تممت علي ما كان بيني و بينك و الا ناجزتك. فكف عنهم الحر). [2] .

و لابد أن هذه المواقف، سواء من الحسين عليه السلام أو من أصحابه قد حيرت


الحر و جعلته في دوامة نفسية شديدة... فهؤلاء النفر يلتحقون بالحسين عليه السلام بعد خذلان الناس له و قد أخبروه بذلك فعلا كما سنري بعد قليل.. و الحسين يقول لهم: أما و الله اني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا، قتلنا أم ظفرنا. و هم يصرون علي الالتحام و التواصل و متابعة المسيرة سوية حتي كاد الأمر أن يصل الي القتال و المناجزة.

أي أمر جعل هؤلاء يقدمون علي الموت بذلك الشوق و تلك البسالة غير المعهودة و غير المألوفة؟ هل يري الحر أمامه طالب ملك و زعامة...؟ أم يري أمامه طليعه رسالية يقودها الامام، لكي يظل موقفها ماثلا أمام أبناء الأمة علي الدوام، لتقابله بمواقف مماثلة مع كل حكام الجور و الانحراف.

سأل أصحاب الملتحقين به (أخبروني خبر الناس وراءكم... فقال له مجمع بن عبدالله العائذي: أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم، و ملئت غرائرهم، يستمال ودهم و يستخلص به نصيحتهم، فهم الب واحد عليك، و أما سائر الناس بعد، فان أفئدتهم تهوي اليك، و سيوفهم غدا مشهورة عليك). [3] .

فلماذا أصر هؤلاء علي الالتحاق بالحسين عليه السلام مع علمهم بأن أشراف الناس الب واحد علي الامام، و أن سيوف سائر الناس غدا مشهورة عليه؟ ألكي يقتلوا معه؟.

و ما الذي يجنونه من ذلك؟ و ما مصلحتهم منه؟.

لا شك أنهم أدركوا أمرا لم يدركه الجميع و لم يعوه حق وعيه، و هي رسالة الامام الحسين عليه السلام الي الأمة، التي هي رسالة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و رسالة الاسلام نفسها.

كانوا يرون أن مهمتهم قد بدأت الآن.. و أنها ستأتي أكلها و سيحوزون ثوابها عندالله.. سواء نحجوا بالقضاء علي الظالم أم نجح هو بالقضاء عليهم و قتلهم.. لم يهمهم هذا، فهو أمر بيد الله و بيده آجال الدول و الأفراد. أما هم فعليهم القيام بواجبهم الذي حدده أمام الأمة لهم.

أدركوا أن امامهم الي الحق الحسين بن علي، فأطاعوه و التحقوا بمسيرته رغم المخاطر التي كانت تلوح أمامهم.


و ان امام الباطل يزيد و أعوانه فرفضوهم رغم ما قد يتاح لهم في ظلهم من عيش رغيد و حياة مرفهة، ولكنها قصيرة محدودة الأمد.

لقد رأوا أمامهم رسول الحسين الي الكوفة قيس بن مسهر الصيداوي يقتل أمام أعينهم عندما رفض مساومة ابن زياد و صلي علي الحسين و علي أبيه و لعن ابن زياد و أباه و دعا الي نصرة الحسين عليه السلام و أخبرهم بقدومه و حثهم علي الالتفاف حوله أمر ابن زياد بالقائه من طمار القصر. و كان بذلك يعد كل من يخرج عن حكمه بهذه الميتة الشنيعة.

و مع ذلك فقد خرجوا و التحقوا بالامام عليه السلام... و أخبروه بما جري لرسوله الي أهل الكوفة.

(فترقرقت عينا الحسين عليه السلام و لم يملك دمعه ثم قال: (فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا) [4] اللهم اجعل لنا و لهم الجنة نزلا، و اجمع بيننا و بينهم في مستقر من رحمتك، و رغائب مذخور ثوابك). [5] .


پاورقي

[1] الطبري 308 - 307 / 3 و ابن‏الأثير 409 / 3.

[2] الطبري 308 - 307 / 3 و ابن‏الأثير 409 / 3.

[3] الطبري 308 / 3 و ابن‏الأثير 409 / 3.

[4] الأحزاب: 23.

[5] الطبري 308 / 3 و ابن‏الأثير 410 / 3.