بازگشت

تصدي الأئمة لمنع دور الانحراف من خلال دور الشهادة


ان دور الشهادة لم يكن مرهونا باستلام الامام زمام السلطة، فاذا ما أبعد عن مهمته في خلافة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و امامة الأمة و قيادتها قيادة فعلية، فانه يري أن عليه مهمات أخري في التوجيه و التقويم و الرصد و المراقبة، فهو يتابع حال الأمة و يراقبها، ليس من بعيد، و انما من الداخل حيث يعمل لعي توجيهها و نشر تصوراته و علمه، لتصحيح مسيرتها، كلما بدا لأحد ان ينحرف بها عن خط الاسلام... كما أنه يقوم بمهمة التغيير و النقد و التصحيح حتي و هو يواجه سلطان الدولة و عنفها و ظلمها، كما قام بذلك الحسين عليه السلام، عندما كلفه قيامه بمواجهة السلطة و انحرافها، حياته و حياة ذوية و من سار من اصحابه معه. و لم تكن تلك المرة هي الأولي التي يتصدي فيها


الامام عليه السلام لا يقاف الانحراف، فقد حاول ذلك منذ وفاة الامام الحسن عليه السلام و محاولة معاوية تنصيب يزيد خليفة من بعده، و رأينا في الفصل السابق المحاولات الحثيثة من قبل الامام لا يقاف ذلك و منع معاوية من تمرير مخططه، اضافة لدوره في تربية الأمة و ايصال علم جده صلي الله عليه و آله و سلم اليها من خلال حلقات العلم التي كان يعقدها في المسجد النبوي الشريف. و كانت مسيرته الملحمية من المدينة الي العراق مرورا بمكة اعلانا حيا لرفض دولة الظلم المعلنة بقيادة يزيد، و احتجاجا صارخا علي الانحراف المتزايد. (و قد قدر للامامة بعد وفاة الرسول الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم تحرم من الممارسة الفعليه لخلافة الله في الأرض و مواصلة القيادة السياسية و الاجتماعية للتجربة التي خلفها النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و تولي هذه الخلافة عمليا عدد من الصحابة علي التعاقب، وفقا لأشكال مختلفة من الاختيار، و حاولت الأمة بقيادة هؤلاء الصحابة أن يواصلوا قيادة التجربة مع الاحتفاظ في بداية الأمر للامامة بخط الشهادة، فقد اعتبر الامام علي شهيدا أي مشرفا و ميزانا أيديولوجيا و اسلاميا للحق و الباطل، حتي قال عمر مرات عديدة (لو لا علي لهلك عمر) و قال للامام:(أعوذ بالله ان أعيش في قوم لست فيهم يا أباالحسن) و قال: (كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي)، و قال: (االلهم لا تبقني لمعضلة ليس فيها أبوالحسن). [1] .

ولكن سرعان ما انتزع هذا الدور أيضا من الامام، و جردت السلطة الامام علي من كلا الخطين، و تراكمت من خلال التطبيق الأخطاء، و فسحت خلافة عثمان للعناصر المستغلة أن تظهر علي المسرح من جديد، و أخذت الرواسب التي كانت في طريق الاستئصال تبرز شيئا بعد شي ء، و استيقظت مطامع المستغلين الذين حاربوا الاسلام بالأمس، و أدي ذلك يالتدريج الي استيلاء أعداء الاسلام القدامي علي الحكم بعد عصر الخلفاء، اذ أعلن معاوية عن نفسه خليفة للمسلمين كقوة الحديد و النار، و كان ذلك أعظم مأساة في تاريخ الاسلام. [2] .


و لم يترك الائمة علي الرغم من ابعادهم عن الزعامة الاسلامية مسؤولياتهم القيادية، و ظلموا باستمرار التجسيد الحي الثوري للاسلام و القوة الرافضة لكل ألوان الانحراف و الاستغلال، و قد كلف الأئمة ذلك حياتهم الواحد بعد الآخر، و استشهد الأئمة الأحد عشر من أهل البيت بين مجاهد يخر صريعا في ساحة الحرب، و مجاهد يعمل من أجل كرامة الأمة و مقاومة الانحراف فيغتال بالسيف أو السم). [3] .


پاورقي

[1] تراجع المصادر التي ذکرها الشهيد الصدر في هامش کتابه خلافة الانسان و شهادة الأنبياء ص 48 / 47.

[2] و قد حاول أميرالمؤمنين عليه‏السلام لفت نظر الأمة الي ما ستلقاه من عنت و جور اذا ما أصبح معاوية خليفة، و قد کان علمه بذلک من العلم الذي علمه اياه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. أما أنه سيظهر عليکم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأکل ما يجد، و يطلب ما لا يجد، فاقتلوه، و لن تقتلوه) نهج‏البلاغة 92

(لتجدن بني‏أمية لکم أرباب سوء بعدي، کالناب الضروس، تعذب بفيها، و تخبط بيدها، و تزبن برجلها، و تمنع درها، لا يزالون بکم حتي لا يترکوا منکم الا نافعا لهم أو غير ضائر بهم)، 138.

(و الله لا يزالون حتي لا يدعوا لله محرما الا استحلوه و لا عقدا الا حلوه، و حتي لا يبقي بيت مدر و لا وبر الا دخله ظلمهم و نبا به سوء رعيهم) 143.

(... ان الذي أنبئکم به عن النبي الأمي صلي الله عليه و آله و سلم، ما کذب المبلغ و لا جهل السامع، لکأني أنطر الي ضليل قد نعق بالشام و فحص براياته في ضواحي کوفان، فاذا فغرت فاغرته، و اشتدت شکيمته، و ثقلت في الأرض و طأته، عضت الفتنة أبناءها بأنيابها، و ماجت الحرب بأمواجها و بدا من الأيام کلوحها، و من الليالي کدوحها...) ص 147.

(... کأني به قد نعق بالشام، و فحص براياته في ضواحي کوفان، فعطف عليها عطف الضروس و فرش الأرض بالرؤوس. فقد فغرت فاغرته، و ثقلت في الأرض و طأته، بعيد الجولة، عظيم الصولة. و الله ليشردنکم في اطراف الارض حتي لا يقبل منکم الا قليل، کالکحل في العين...)

(... ظاهر غيه، مهتوک ستره، يشين الکريم بمجلسه، و يسفه الحليم بخلطته،) 411.

(فانما هو الشيطان، يأتي المرء بين يديه و من خلفه، و عن يمينه و عن شماله، ليقتحم غفلته، و يستلب غرته) 416 - 415.

(... ان لبني امية مرودا يجرون فيه) 557

(حتي يظن الظان أن الدنيا معقولة علي بني‏امية، تمنحهم درها، و توردهم صفوها، و لا يرفع عن هذه الامة سوطها و لا سيفها) 120. (طبيب دوار بطبه، قد أحکم مراهمه و أحمي مواسمه يضع ذلک حيث الحاجة اليه من قلوب عمي و آذان صم، و السنة بکم، تتبع بدوائه مواضيع الغفلة و مواطن الحيرة)156.

[3] خلافة الانسان و شهادة الانبياء 49 - 43.