بازگشت

الحسين يستعرض مواصفات الخليفة


و بهذه الرؤية النافذة البسيطة، استعرض الامام الحسين عليه السلام الصفات التي ينبغي توفرها فيمن استخلف علي مصائر الناس و حياتهم و أمواله.

(فلعمري ما الامام العامل بكتاب الله و الآخذ بالقسط و الدائن بالحق و الحابس نفسه علي ذات الله). [1] .

فلاخليفة هنا، يؤدي دوره علي أساس من الفهم الواعي المسؤول لكتاب الله و ما يرد فيه من مناهج كاملة للحياة و السلوك، كما أن العدل الذي وضع اصلا ثانيا من أصول الذين، و اعتماد منهج الحق الذي يراه في كتاب الله و سنة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم لابد منهما لضمان سلامة المسيرة البشرية علي الأرض و عدم انحرافها أو تعثرها.

و لا شك ان الارتفاع الي هذا المستوي الذي يحقق فيه الانسان منهج الله و عدالته و شريعته يتطلب اضافة لما ذكر التمتع بأعلي قدر من الشعور بالمسؤولية، مسؤولية الأمانة التي حملها، و الاقتراب من الله بحيث لا يري سواه و لا يلتفت الي غيره، مادام متيقنا من صحة المنهج الذي يسير عليه، فالامام هنا أو الخليفة، هو الحابس نفسه علي ذات الله، كما ذكر الامام الحسين عليه السلام لا يفارقه و لا ينساه و لا يأخذ عن غيره.


لقد كان الأنبياء هم حملة الأمانة، و خلفاء الله علي هذه الأرض، و كان خاتمهم محمد صلي الله عليه و آله و سلم الذي حمل أمانة الرسالة، و أوصلها و أداها الي الناس كافة، و وضع التفاصيل و المفردات، لتعيش هذه الرسالة فعلا يوميا حيا و متحركا، و لا تظل أمرا مهملا علي هامش الحياة بمجرد أن يختفي هو صلي الله عليه و آله و سلم من مسرحها و يغيب عنها وافدا الي ربه العزيز.

كان لابد من خلفا مؤهلين يتمكنون من حمل هذه الأمانة الثقيلة، و كان لابد من اعدادهم بشكل خاص من بيت الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و علي يديه، و قد رأينا كيف أنه ربي واعد لهذه المهمة وصيه أميرالمؤمنين عليه السلام، و كيف أعده منذ أن كان طفلا و كيف بني تصوراته و مهد له و أعد الأمة بعد ذلك لكي تسير خلفه، فتضمن بذلك الشي ء الوحيد الذي يحقق لها العدالة و يضمن لها الأمان و الحرية، و يجنبها التخبط و الانحراف الذي من شأنه أن يعيدها الي جاهليتها القديمة أو الي جاهليات مستحدثة، تستخدم الاسلام بعد تزوير أحكامه و تشريعاته و مبادئه.

(و يلاحظ في تاريخ العمل الرباني علي الأرض، أن الوصاية كانت تعطي غالبا لأشخاص يرتبطون بالرسول القائد ارتباطا نسبيا أو لذريته و أبنائه، و هذه الظاهرة لم تتفق فقط في أوصياء النبي محمد صلي الله عليه و آله و سلم، بل اتفقت في أوصياء عدد كبير من الارسل. قال الله سبحانه و تعالي: [و لقد أرسلنا نوحا و ابراهيم و جعلنا في ذريتهما النبوة و الكتب)] [2] . [(و وهبنا له اسحق و يعقوب كلا هدينا و نوحا هدينا من قبل و من ذريته داود و سليمن)] [3] .

فاختيار الوصي كان يتم عادة من بين الأفراد الذين انحدروا من صاحب الرسالة و لم يروا النور الا في كنفه و في اطار بيته. ليس هذا من أجل القرابة بوصفها علاقة مادية تشكل أساسا للتوارث، بل من أجل القرابة بوصفها تشكل عادة الاطار السليم لتربية الوصي و اعداده للقيام بدوره الرباني. و أما اذا لم تحقق القرابة هذا الاطار، فلا أثر لها في حساب السماء [4] . قال الله تعالي:[(و اذ


ابتلي ابراهيم ربه بكلمت فأتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظلمين)]. [5] .


پاورقي

[1] الطبري 378 / 3، و ابن‏الاثير 267 / 3، و مقتل الخوارزمي 195 / 1، و مناقب آل أبي‏طالب 89 / 4.

[2] الحديد: 26.

[3] الانعام: 84.

[4] و الي هذا أشار أميرالمؤمنين عليه‏السلام بقوله: (ان أولي الناس بالأنبياء أعملهم بما جاءوا به، ثم تلا: ان أولي الناس بابراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا: الآية، ثم قال: ان ولي محمد من أطاع الله و ان بعدت لحمته، و ان عدو محمد من عصي الله و ان قربت قرابته) نهج‏البلاغة 484.

[5] البقرة: 124.