بازگشت

الامام الحسين يذكر الأمة بموقعه من رسول الله و بخطأ موقفهم ضده


أنه عليه السلام، اذ يذكرهم بموقعه الحقيقي من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و من الاسلام، و انه ابن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و ابن وصيه عليه السلام، فهو يدرك أنهم يعلمون ذلك حق العلم، و مع ذلك فانهم يقفون منه موقف من يريد قتله و استئصاله، لا لشي ء، الا لتلبية أوامر و رغبات و هوي فرعون.

لم يكشف لهم شيئا جديدا لم يكونوا يعرفوه من قبل، بل كانوا يعلمون من هو، حق العلم، و كانوا يعلمون أنهم قد أخطأوا و أنهم قد تنازلوا أمام يزيد عن كل مقومات


وجودهم و حياتهم، و استسلموا له استسلاما تاما غير مقيد بشرط، حيث ان قائد يزيد الذي أرسله لا باحة المدينة بعد ثورتها عليه و هو مسلم بن عقبة المري قد اظهر نوايا الحكم الاموي بشكل فاضح عندما دخل المدينة.

(فدعا الناس للبيعة علي أنهم خول ليزيد بن معاوية، يحكم في دمائهم و أموالهم و أهليهم ما شاء). [1] .

فهم كانوا يعرفون مصيرهم تحت قيادة يزيد، مثلما يعرفون الواقع المشرف الذي سيقودهم اليه الحسين عليه السلام، و لهذا فقد دعوه الي نصرتهم و قيادتهم و الأخذ بايديهم الي ما كان جده و أبوه يفعلانه من قبل، و هم قد عرفوا من هو جده صلي الله عليه و آله و سلم و من هو أبوه عليه السلام و قد حاربوا تحت لوائه، و عاشورا معه و شاهدوا العديد من مظاهر استقامته و عدالته و غيرته علي الاسلام.

لقد دعوه في عهد معاوية، ثم بعد هلاكه، و كانت تلك الدعوة محاولة لصحوة مرتقبة، بعد ان خذلوا أباه أميرالمؤمنين و أخاه الحسن عليه السلام، و قد فشلت هذه المحاولة في النهاية عندما اقدموا علي حصاره في كربلاء، و دعوه للاستسلام، كما استسلموا هم، ليزيد، و التخلي نهائيا عن مسؤولياته في قيادة الأمة و ايقاف الانحراف الذي جرتها اليه القيادة الأموية المعادية للاسلام.

و لم ينس الامام الحسين عليه السلام امام غمرة شعوره باستسلامهم و تنازلهم. المهين أمام يزيد، و أمام رموز الدولة الأموية و أعوانها، أن يذكرهم بموقفهم هذا و بوضعهم المزري و ضعفهم و تخاذلهم، بعد أن أبدوا استعدادا طيبا للتخلي عن موقف الاستسلام و الهزيمة، عندما رفضوا معاوية اولا، ثم يزيد بعد ذلك و كتبوا اليه يلحون علي قدومه لكي يقودهم و يأخذ بأيديهم الي حيث اخذ بها ابوه عليه السلام وجده عليه السلام من قبل.

(فنادي يا شبث بن ربعي و حجاز بن أبجر، و يا قيس بن الأشعث، و يا يزيد بن الحارث [هؤلاء من وجوه القادة الذين قدمو مع جيش ابن زياد لقتاله، و لعلهم كتبوا اليه راكبين الموجة، و ربما توقعوا ان ينتصر الحسين عليه السلام عسكريا ليحصلوا علي بعض المكاسب اذا ما التحقوا به، و بيتوا انكار رسائلهم اذا ما تعرضوا لخطر محتمل،


عندما لن تحقق الدولة مع كل من كتب اليه و تراجع في غمرة فرحها (بالنصر) و حسبها المواقف الاخيرة من هؤلاء المهزومين].

ألم تكتبوا الي أن قد أينعت الثمار و اخضر الجناب و طمت الحمام، و انما تقدم علي جند لك مجند، فأقبل؟ قالوا له: لم نفعل.

فقال: سبحان الله، بلي و الله، لقد فعلتم.

فقال له قيس بن الأشعث: أولا تنزل علي حكم بني عمك، فانهم لن يروك الا ما تحب و لن يصل اليك منهم مكروه). [2] .

لم يكن أمامهم الا الكذب و الانكار في غمرة خضوعهم و استسلامهم و تنازلهم أمام السلطة الغاشمة التي جندتهم لتنفيذ غاياتها، و لم يجدوا في أنفسهم القوة علي الاستمرار علي موقفهم الذي وقفوه منذ البداية (و ربما كان لذلك دوافعه كما قلنا)، كما فعل [أصحاب الحسين عليه السلام] و ذووه الذين جاءوا معه و قتلوا بين يديه، لم يكونوا يمتلكون مقومات أو عناصر هذه القوة، اذ لا يزال سلطان فرعون يلوح أمامهم، و يرونه أقوي من سلطان الله، فهو لا يزال يخيفهم و يبهرهم بنفوذه و ماله و جاهه و يأملون منه ما لم يأملوا من الله.

و كان الامام عليه السلام قد وجه عدة تحذيرات شديدة الله جة، الي أبناء الجيش الذي جرد لحربه و كان من المتوقع أن يكونوا معه، و بذلك فانه ألقي الحجة عليهم، اذ أن المجال كان مفسوحا لهم حتي آخر لحظة للانضمام اليه، لكنهم فعلوا العكس و تغلبت عليهم المخاوف و لعب بهم الطمع.

(فلا تغرنكم هده الدينا، فانها تقطع رجاء من ركن اليها، و تخيب طمع من طمع فيها، و أراكم قد اجتمعتم علي أمر، قد أسخطتم الله فيه عليكم، و اعرض بوجهه الكريم عنكم، و أحل بكم نقمته، لقد استحوذ عليكم الشيطان، فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبا لكم و لما تريدون، انا لله و انا اليه راجعون. هؤلاء قوم كفروا بعد ايمانهم، فبعدا للقوم الظالمين). [3] .


لقد كانوا يدركون انهم مخطئون، و أنهم بتخليهم عن الحسين عليه السلام يوقعون وثيقة انكار ما فعلوه و مواجهته بذلك أي بتكذيبه هو عليه السلام، مع علمهم ان الآخرين من افراد هذا الجيش المستنفر لقتاله، يعلمون بكتبهم التي أرسلوها و وقعوها معهم، بذلك فانهم شهدوا علي أنفسهم بالكذب، و لم يخجلوا من ذلك أمام خوفهم و حرصهم علي حياتهم، و تغافلوا عن ابتسامات الهزء و السخرية التي ربما تكون قد ارتسمت علي شفاه من يعلم ذلك، غير أن وصمة الكذب كانت صغيرة امام وصمة التخاذل و الجبن و التراجع و الانقياد لعدوهم الذي يعلمون انه عدوهم بالفعل، و انه لم يرد الا تسخيرهم و جعلهم أدوات لتنفيذ مآربه و مصالحه، و التي يعلمون انها لا يمكن ان تكون مصالح الاسلام أو المجتمع الاسلامي بأي حال من الاحوال.

عن سعد بن عبيدة قال:

(ان أشياخا من أهل الكوفة لوقوف علي التل يبكون و يقولون: اللهم انزل نصرك. قال: قلت: يا أعداء الله الا تنزلون فتنصرونه). [4] .

لقد كانوا يتمنون أن ينتصر الحسين عليه السلام، ولكن ليس بهم، و انما بقوة الهية منزلة، و كانوا يتمنون ان يكون هذا النصر جاهزا أمامهم، ليتمتعوا بثماره فيما بعد، أما ان يساهموا فيه، فذلك ما لم يجدوا في انفسهم القدرة عليه، فسيوفهم ليست لهم لكي يعطوها للحسين عليه السلام، و انما هي مرهونة بارادة القوة الغاشمة التي تسلطت عليهم و اخافتهم و اذلتهم، فهم لا يملكون الا أن يكونوا معه بقلوبهم و عواطفهم فقط، مادامت هذه القلوب غير معرضة لأن تكشف أسرارها تلك القوة الغاشمة المتسلطة.

هكذا بدا أهل العراق للحسين عليه السلام، و هو قد عرفهم و خبرهم من قبل،غير أنه لم يتخل عن سعيه لاستنهاضهم و حثهم علي القيام من جديد، ماداموا قد اعربوا هم عن رغبتهم في ان يقودهم.

و قد عرفوا هم أنفسهم كذلك، و عرفهم الآخرون.

و قد شخص الفرزدق الشاعر حالهم بدقة عندما قال للامام عليه السلام:

(قلوب الناس معك و سيوفهم مع بني أمية). [5] .


كما شخصها مجمع بن عبدالله العامري بقوله للامام عليه السلام ايضا:

(أما اشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم و ملئت غرائزهم، فهم الب واحد عليك، و أما سائر الناس بعدهم، فان قلوبهم تهوي اليك و سيوفهم غدا مشهورة عليك). [6] .

كان الامام يريدهم أن يستقروا علي موقف ثابت في النهاية، أما متي يحدث ذلك؟ فلربما لن يكون في وقته هو أو معه عليه السلام، و ربما كان بعد أشهر أو سنوات أو عشرات أو مئات من السنين.

كان لابد للاسلام، خاتم الرسالات أن ينتشر و أن يغلب و أن يسود، و أن يظل له نفس الوضوح و القوة في نفوس ابناء الأمة، و اذا ما تردد الناس اليوم، فانهم لابد في النهاية سيستقرون علي رأي موحد و موقف ثابت، و لابد من هذا الموقف الثابت علي طريق مسيرتها لتكون علامات و محطات للسائرين عبر الزمن.

و لابد أن تكون ثورته لا زاحة النظام و تضحيته بنفسه احدي هذه المواقف الثابتة و العلامات الفارقة المضيئة، و لابدان تكون موضع تأمل و دراسة و تفكر لمن سيأتي بعدهم من الاجيال اللاحقة، التي ربما ستمتلك من الوعي و المعرفة و القوة و بما ستواجه من تحديات حقيقية مصيرية من قوي الشر و الانحراف، ما يجعلها تفكر بشكل جدي بالرجوع نهائيا الي خط الاسلام الصحيح، و عدم النكوص أو التراجع مهما بلغت الصعوبات و التضحيات.


پاورقي

[1] الطبري 359 / 3.

[2] الطبري 243 / 6، و ابن‏الاثير 419.

[3] تاريخ ابن‏عساکر 215، و مقتل الخوارزمي: 253 / 1.

[4] الطبري 222 / 6.

[5] ابن‏کثير 169 / 8، و الطبري 218 / 6، و العقد الفريد 126 / 5.

[6] ابن‏الاثير 409 / 3، و قد روي الطبري 308 / 3، أنه قال: (... أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم، و ملئت غرائزهم، يستمال ودهم و يستخلص به نصيحتهم...) الي آخر القول الذي رواه ابن‏الاثير.