بازگشت

تمهيد


و نعود هنا الي مسألة مهمة، تحدثنا عنها، و هي مسألة استخلاف الانسان علي الأرض من قبل الله عزوجل، وفق منظور الاسلام، و تحمل الانسان لمهامها، لا كمنحة شخصية مطلقة، غير مقيدة بشروط، ولكن كأمانة كبيرة منوطة بالانسانية كلها، لها شروطها و التزاماتها التي تشكل بمجملها أساسا للحكم بين الناس، يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس):

(... و عملية الاستخلاف الرباني للجماعة علي الأرض بهذا المفهوم الواسع تعني: أولا: انتماء الجماعة البشرية الي محور واحد، و هو المستخلف، اي الله سبحانه و تعالي، الذي استخلفها علي الأرض بدلا عن كل الانتماءات الأخري و الايمان بسيد واحد و مالك واحد للكون و كل ما فيه.

ثانيا: اقامه العلاقات الاجتماعية علي أساس العبودية الخالصة لله و تحرر الانسان من عبودية الأسماء التي تمثل ألوان الاستغلال و الجهل و الطاغوت.

ثالثا: تجسيد روح الاخوة العامة في كل العلاقات الاجتماعية بعد محو ألوان الاستغلال و التسلط.

رابعا: ان الخلافة استئمان، و لهذا عبر عنها القرآن الكريم بالأمانة و الأمانة تفترض المسؤولية و الاحساس بالواجب، فهي من ناحية، تعني الارتباط و التقيد يالجماعة البشرية التي تتحمل مسؤولية الخلافة علي الأرض. أنها تمارس هذا الدور بوصفها خليفة عن الله، و لهذا فهي غيو مخولة أن تحكم بهواها أو باجتهادها المنفصل عن توجيه الله سبحانه و تعالي، لأن هذا يتنافي مع طبيعة الاستخلاف، و انما تحكم بالحق، و تؤدي الي الله تعالي أمانته، بتطبيق أحكامه علي عباده و بلاده). [1] .


و بهذا المفهوم، و وفق هذه النظرة وحدها، يمكن للخلافة الاسلامية أن تنوب عن الله سبحانه و تعالي في ممارساتها المتعددة، عندما تكون مسوؤلة و ملزمة بين يديه لتطبيق أحكامه و تشريعاته، لا التصرف وفق الهوي الشخصي أو الفئوي المحدود، و هكذا فان...

(حكم الجماعة القائم علي أساس الاستخلاف، فانه حكم مسؤول، و الجماعة فيه ملزمة كتطبيق الحق و العدل، و رفض الظلم و الطغيان، و ليست مخيرة بين هذا و ذاك). [2] .

و علي هذا الاساس، فان الامام الحسين عليه السلام، قد وضع أمام أهل العراق في رسالته الأولي اليهم، مهمات الخليفة أو الامام، لكي يروا الي أي مدي قد ابتعد من تصدي لهذه المهمة الخطيرة، عن مضمونها الحقيقي و متطلباتها الأساسية.

(فلعمري ما الامام الا العامل بالكتاب و الآخذ بالقسط و الدائن بالحق، و الحابس نفسه علي ذات الله). [3] .

فبهذه الشروط يكون قد أدي دور الخلافة و مسؤولياتها، اما اذا ما خرج عن ذلك، فانه يكون عند ذاك عبدا لهواه و مصالحه و نزعاته، و لم يعد أي وجود بنظره للدور الالهي المقوم و الموجه.

و قد استمر الامام في خطبه التالية و لقاءاته مع الجيش الذي أوفد لمحاربته أو اجباره علي الاستسلام، و مع أصحابه كذلك، بايضاح مهمات من يتصدي لامامة المسلمين و قيادتهم. و كان عليه السلام في كل خطبه يؤكد علي امر مهم و هو: اصطفاء الله، جل و علا، لنبيه محمد صلي الله عليه و آله و سلم لامامة البشرية و قيادتها، و القيام بارساء نظام للحكم، يتولي فيه مسؤولية الخلافة علي أساس الالتزامات و المواثيق و السنن و التشريعات الالهية التي أوردها القرآن الكريم، و جسدها الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم بعد ذلك في سنته المطهرة، لتكون أساسا دائميا لكل حكم اسلامي لا حق، قائم علي ما قام عليه حكمه صلي الله عليه و آله و سلم أيام الدولة الاسلامية الأولي، حكم رافض لكل التصورات


و الاجتهادات البشرية البعيدة عن حكم الله. و رافض بالضرورة كل نوع من انواع الظلم و الاستغلال التي لابد ان تفترن مع الأشكال البشرية البحتة للحكم.

و لا شك أن أحدا لا يستطيع، مهما بلغت به الوقاحة، أن يعلن تحديه السافر لما حكم به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أمضاء و أقره، و لا يستطيع ان يلوح بأي لون من الوان الشك تجاه تصرفات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و سنته المطهرة، أو تجاه القرآن الكريم، و الا كان قد أدان نفسه و حكم عليها بالخروج عن الاسلام، و استفز المسلمين، حتي ابسطهم وعيا و مسؤولية.

فقد شاء الله أن تجتمع الأمة علي محمد صلي الله عليه و آله و سلم و أن يدعي حتي مبطلوها و منافقوها تمسكهم به، و ان راحوا في غمرة الباطل يروجون و يضعون علي لسانه بعد وفاته أحاديث و روايات مزورة، تبرر باطلهم و انحرافاتهم و ظلمهم و كل تصرفاتهم المشينة.


پاورقي

[1] الأساس الاسلامي لخطي الخلافة و الشهادة / الشهيد الصدر ص 137 / 136 / 135.

[2] المصدر السابق.

[3] الطبري 278 / 3، و ابن‏الاثير 386 / 3، و مقتل الخوارزمي 195 / 1، و مناقب آل أبي‏طالب 98/ 4.