بازگشت

استشهاد الامام الحسين أعطي حياة جديدة للأمة


كان موقف الامام الحسين عليه السلام و حركته ضد الدولة الاموية يشكلان عنصرا ايجابيا أراد له أن يكون مثمرا علي الدوام و متواصل العطاء.

لقد أعطي الرد الواضح علي اعلان شريحة واسعة منها متمثلة بأعداد واسعة من أهل الكوفة، مركز الجيش الاسلامي في عهد أميرالمؤمنين رفض حكم يزيد، فأعلن استعداده لتأييد ذلك و الوقوف في مقدمة الرافضين السائرين لازاحة هذا الحكم، رغم علمه بطبيعة المجتمع الكوفي المهزور و الواقع تحت تأثيرات و قوي عديدة، و القابل للتغيير و الانقلاب عليه اذا ما تدخلت تلك القوي، و التي تدخلت فعلا فأصبح الجنود الذين ابدوا استعدادهم للقتال معه، ضمن الجيش الهائل الذي جرد لقتاله.

علي أنه لم كان بوسعه أن يفعل غير ذلك، و كان جوابه لأهل الكوفة جوابه للتاريخ كله، لقد دعوه لنصرته، أي لنصرة الاسلام ضد الانحراف، و لم يكن بوسعه أن يقابل استعدادهم المعلن ذاك الا بالاستجابة، و الا لكان حكم التاريخ عليه قاسيا، و لحملته كل أجيال الامة مسؤولية انتكاساتها و خضوعها المتكرر للطغاة و الظلمة، و لكان برفضه، لو أن ذلك قد حصل فعلا، قد أتاح المبرر لوجود الدولة الظالمة و المنحرفة، و أوجد العذر لكل مستسلم و يائس و منهزم.

و لعل السنوات المتبقية من حياة الامام الحسين عليه السلام لو قدر له أن يعيش دون


أن يقتل في الطف، و التي لا يعلمها الا الله، و التي فقدها نتيجة استشهاده الرائع عوضت الأمة حياة دائمة، و أعطتها قابلية علي البقاء و النمو و الصحة و الحركة و الفعل، بعد ان كادت تموت و تصبح شبح أمة اسلامية، قامت في عهد قصير و ماتت و اندثرت بعد ذلك اذ كيف تكون الأمة أمة اسلامية في ظل حكام كيزيد و اشباهه؟ و كيف كان هؤلاء سيعدونها و يربونها؟ و قد وجدنا الجواب في كتب التاريخ العديدة التي دلتنا علي أفعالهم.

أخصبت تلك السنوات الذاهبة بفعل الشهادة عمرا اضافيا لكل فرد من الأمة علي امتداد التاريخ، و كان كل متصد للظلم و الانحراف يستلهم ذلك العطاء الكبير من الامام عليه السلام، و يقدم بنفس تلك القوة التي اقدم، و يسترخص ما استرخصه من عمره الشريف، و يستهين بسنوات قلائل في ظل الظلمة و المنحرفين.

أن علي أولئك الذين يرون أن ثورة الحسين عليه السلام ضد دولة الظلم الأموية و اقدامه و استشهاده بتلك الصورة الرائعة المذهلة، حالة غير قابلة للتكرار و الحدوث ثانية ان يتخلوا عن وهمهم هذا. اذ أن أصحابا له اقتنعوا بصواب نهجه و توجهه أقدموا علي ما أقدم عليه دون تردد أو خوف، مع أنهم كانوا أناسا عاديين لم يتح لهم كل ما أتيح للامام عليه السلام من قدرات و قابليات، فقد جعلهم يشعرون بمسؤؤليتهم تجاه دينهم شعورا عاليا متفوقا اصبحت التضحية معه بحياتهم أمرا واجبا.

و عندما اقدم الامام الحسين عليه السلام علي ممارسة واجبه في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الي حد تقديم حياته ثمنا لذلك، فأنه أحيا هذا المبدأ الذي كاد يزول يخلل معه الصفة الخيرة التي أرادها الله لهذه الأمة، عندما تأمر بالمعروف و تنهي عن المنكر، فلقد كانت أمة الاسلام خير أمة لأنها تأمر بالمعروف و تنهي عن المنكر [1] ، أما عندما تتخلي عن مسؤؤلية القيام بذلك، فلن تكون لها تلك الصفة، و ستعود أمة كسائر الأمم التي تخلت عن رسالتها و حاربت أنبياءها و أوصياءهم، و ستصاب بالاندثار و السقوط و الفشل، و هذا ما رأيناه فعلا.

فلم يكن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أمرا هامشيا أو غير ضروري، و انما كان الأداة الأولي للتقويم و الانضباط و منع الانحراف و الابتعاد عن الاسلام،


و لم يؤكد عليه كأمر طوعي أو اختياري و انما كان واجبا عينيا علي جميع المسلمين، يدركون اذا ما أدوه أنهم في الذروة و اذا لم يؤدوه انهم في الهاوية، و كانت أعلي مراحل القيام بهذا الواجب هو التصدي لمن يعمل المنكر و يملك السلطان، فهذا لن يتنازل بسهولة امام من يدعوه للاستقامة و الطريق القويم، و سيزين له هواه و حاشيته و أعوانه، عمله علي ان العمل الصحيح، مادام يتيح له و لهم الامتيازات و التسلط، و هكذا كانت اعلي مراحل هذا العمل (الجهاد) كلمة حق أمام سلطان جائر.


پاورقي

[1] (کنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنکر و تؤمنون بالله) آل عمران 110.