بازگشت

التكليف الالهي بالثورة ضد يزيد تكليف لكل الأمة و ليس للحسين وحده


كانت خطابات الحسين عليه السلام كلها تستحث الهمم للالتحاق به و بمسيرته، لم يقل لاحد انها مهمة خاصة بي أنا لوحدي، و عليك أن تلتحق بي لاني بحاجة شخصية اليك، و انما قال: أن الاسلام بحاجة لنا جميعا، و علينا ان لا نتردد ببذل الغالي من التضحيات حتي و ان كانت انفسنا و دماءنا.

و هكذا التحق به اصحابه بعد ان ادركوا انهم مكلفون مثله بهذه المهمة، و أن أمرها غير مقتصر عليه وحده، و لم يقل أحد منهم ما شأني انا و هذه المهمة صعبة لا يقدر عليها الا الحسين عليه السلام و من هم من أمثاله.


فلابد أن يكونوا قد وعوا دوافعه و فهموها و ساروا وراءه تلك المسيرة البطولية، و لم يسيروا وراءه بشكل عشوائي و اندفعوا اندفاعة عاطفية، لم تكن عاطفتهم تجاهة بذلك الشكل الملفت للنظر حقا، الا لأنه أبدي ذلك الاستعداد الكبير للتضحية، كانوا يعرفون من هو، و ما هو غرضه من الثورة، و أدركوا انه كان يريد الأمة كلها ان تقوم بما قاموا به أو كانوا بسبيل القيام به معه و تحت قيادته، و أن تفهم مهماتها دائما و أن لا تتخلي عن رسالتها، لكن الأمة مع ذلك ضعفت و تراجعت و استسلمت، حتي أولئك الذين كبتوا له و دعوه للمجي ء تخاذلوا، مع ان معظمهم قد يكونون علي الأغلب تحت تأثير اندفاع صادق في البداية، و انهم كانوا يودون حقا النهوض تحت قيادته للاطاحة بالدولة الأموية، الا أن اندفاعهم لم تكن فيه مقومات الاستمرارية، و كان قابلا للانحسار بمجرد تعرضهم لموقف حازم تشهر فيه السلطة سيف بطشها و ارهابها، و قد عرفت عنهم مواقف مسبقة مماثلة جعلت الركون الي أقوالهم و وعودهم يبدو و كأنه عبث لا طائل تحته.

غير أننا لو تساءلنا:

ماذا لو أنهم نجحوا في ثورتهم دون ان يقدم الحسين عليه السلام لقيادتهم؟

و أنه لم يسر اليهم الا بعد ذلك النجاح كما اشار عليه فعلا بعض الناصحين و المحذرين و لم يكن في مركز القيادة و في المقدمة؟ ماذا كانت الأمة ستقول له فيما بعد؟ هل جاء ليستغل مكاسبها بعد ان صفا له الجو؟ لماذا لم يكن في مقدمة الثائرين، كما كان حال الأنبياء و أوصيائهم من قبل؟

ماذا كانت الأجيال التي جاءت بعد ذلك الجيل ستقول عنه؟

و ماذا كنا سنقول نحن؟

و حتي اذا ما ثار أهل الكوفة دون الحسين عليه السلام و اخفقوا في ثروتهم، علي من كنا سنلقي تبعة ذلك؟ ألا نقول: لو أن الحسين عليه السلام سار اليهم لنجحوا بالتأكيد؟ ألا نلقي اللوم في ذلك الاخفاق عليه و نحمله مسؤولية الفشل؟

ان الحسين عليه السلام ما كان ليهتم بأحكامنا و تساؤلاتنا، لو لم يعتقد أنه القدوة للأمة، و أنها ستتصرف علي ضوء مواقفه فيها بعد.

اذ أننا لو كنا نري أنه قد تنازل و استسلم لحاكم مثل يزيد، كنا نحن حتما سنتنازل امام اشباهه و أمثاله، و سنحمله مسؤولية كل تنازل لا صق، ان منطق


المهزومين لم يلتق في أي يوم من الأيام مع منطق الحسين عليه السلام، و مع منطق الشهداء، حتي ان هؤلاء المهزومين راحوا يحملونه مسؤولية تعكير الجو الهادي ء الدي ألفوا العيش فيه تحت علل الطواغيت و الفراعنة، و راحوا يبررون هزيمتهم و استسلامهم، كما برر ذلك أولئك المهزومون الأوائل، و قد رأينا جوانب من منطق هؤلاء.

و بعد: فهل رأينا في مسار الثورة كلها، و في حركة الامام الحسين عليه السلام خلال حوالي اربعة أشهر، ما يشير الي أنه قال ان كل ما كان يقوم به انما هو تكليف خاص به هو لا غيره، و انه سيذهب دون اهتمام بالنتائج بعملية انتحارية ليس وراءها هدف لقد كانت ثورة الحسين عليه السلام استجابة لأوامر من عالم الغيب، اعلمه بها جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ هذا صحيح، ولكنها الأوامر الالهية كانت موجهة لكل الأمة و ليس للحسين عليه السلام وحده، و كانت استجابته عليه السلام و أصحابه لها استجابة واعية، فان قضية الحسين عليه السلام هنا، لن تكون مفهومة أمام الجماهير، و لن يسارع احد للمشاركة فيها، و انما ستتخلي عنه لو كان التكليف الالهي تكليفا خاصة به عليه السلام هو شخصيا. و الا فما هي الآثار التي يمكن ان تتركها حركته لو كانت شخصية علي الاجيال فيما بعد؟

و ما المسؤوليات التي سيعرف المسلمون انهم مكلفون بها، اذا ما تعرضوا لأوضاع و نظم مشابهة لنظام يزيد، اذا ما علموا ان الحسين عليه السلام كان مكلفا وحده في تلك الحالة بالتصدي ليزيد و الحسين عليه السلام ليس معهم الآن؟

هل كانوا سيتحملون مسؤولية التغيير ام يتخلون عن كل شي ء باعتبار أن حالة الحسين عليه السلام، كانت خاصة و انها غير قابلة للتكرار، و أن لا قدرة لاحد علي تحمل ما تحمله؟

هل ستكون أية قيمة لها فيما بعد، و هل ستترك آثارها التربوية و الاجتماعية علي اجيال المسلمين؟

هل وجدنا احدا من اصحاب الحسين عليه السلام قال انه انما كان يستجيب له شخصيا و ان استجابته لم تكن للمهمة التي ثار من اجلها؟ ام أن اصحابه اندفعوا وراءه دون تحفظ أو خوف بعد معرفة اهدافه و دوافعه؟

ان ثورة الحسين عليه السلام عظيمة بلا شك، و قد لفتت انظار الامة بشكل حاد الي


واقعها المتردي و هزيمتها و تراجعها، غير ان اخراجها عن حدود القدرات البشرية الممكنة يجعلنا بعيدين عن دائرة الفهم الحقيقي لتلك الثورة، و يجعل أمر القيام باشباهها مناطة باشخاص لا ينتمون الي البشر العاديين الذين حملهم الله رسالته.