بازگشت

الامام الحسين يلخص منهج الردود سأمضي و ما بالموت عار علي الفتي


قال عليه السلام للحر:

(أبالموت تخوفني، و هل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني؟ و ما أدري ما اقول لك، ولكني اقول كما قال اخو الاوس لابن عمه و هو يريد نصرة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اين تذهب فانك مقتول؟ فقال:




سأمضي و ما بالموت عار علي الفتي

اذا ما نوي خيرا و جاهد مسلما



و واسي رجالا صالحين بنفسه

و خالف مثبورا و فارق مجرما) [1] .



ماذا نري في اجوبته عليه السلام لكل من تقدم اليه بالنصح و التحذير؟ هل نجد فيها تراجعا عن عزمه الاول الذي اعلنه قبل بعض سنوات بعدم مبايعة يزيد و الاعتراف به رأسا للدولة الاسلامية؟ ام نجد تصميما علي المضي فيما عقد عليه العزم منذ البداية؟

و كما أصبح معلوما لدينا ان تلك البداية، لم تكن منذ وفاة معاوية و جلوس يزيد علي كرسي الخلافة، و انما بدأت قبل اكثر من سبع سنوات، حينما عمل معاوية بجد و دأب علي اخذ البيعة لولده، و اجبر الامة علي توقيع عقد الاستسلام و الخضوع ليزيد.

فهل ترك معاوية الحسين عليه السلام طيلة تلك المدة؟ و هل لم يعرضه كانسان منافس ليزيد و متلهف علي السلطة، و متميز باندفاعات و ردود فعل سريعة و غاضبة و متشنجة؟ لقد عمل الاعلام الاموي علي توجيه اضوائه علي الحسين عليه السلام مفعتلا بعض الاحداث و الاكاذيب و الاقاصيص، و كانت تضع مقابل (اندفاعه و جرأته) (حلم معاوية)، (و نصائحه) بضرورة الكف عن مواقفه، و الاستجابة لما استجابت الامة لها له، و مخاوفه الوهمية عليه بانه لن يجد في حال وفاته.. اي معاوية. من يمكن ان يتسع صدره لتصرفاته.

و كان ذلك بمجمله من معاوية اسلوبا تحريضيا مضللا تعرف الأمة بموجبه أن معاوية قام بما يجب عليه من النصح و الارشاد، و انه حقا يتخوف علي حياة الحسين عليه السلام، و قد ادي حقه. كما انه تمهيد لتوقع و قبول قتله من قبل من سيأتي بعده و هو يزيد، اذ ستعذره الامة اذا ما اقدم علي ذلك، باعتبار انه لا يتمتع بالصبر و الكفاءة و الخبرة التي كان يتمتع بها ابوه، و انه ملك شاب، و من الطبيعي ان يحافظ علي عرشه و سلطانه من ان يتعرض له اي فرد، حتي ولو كان الحسين عليه السلام ثم الم يحذر معاوية الحسين عليه السلام مغبة الاستمرار و (التمادي) بهذا الموقف الرافض العنيف، و أليس ما توقعه معاوية قد حصل فعلا؟

ان وساما يعلق هنا علي صدر معاوية، باعتباره قد أعذر و تنبأ بعد ذلك بالمصير


الذي يمكن أن يلقاه الحسين عليه السلام، اذا استمر علي موقفه،و هو و سام يشهد علي براعته و سياسته و بعد نظره. كما انه بتبرئته ليزيد الذي فعل ما فعل بدافع من رد فعل طبيعي، أو غريزي للدفاع عن النفس، و هو امر متوقع منه و من كل شخص آخر قد يكون في موقعه. أليس هذا ما حاولت الدعاية الاموية ترسيخه الأذهان، و تقبلنا نحن ذلك و انطلت علينا الحيلة، و رحنا نكتب و نؤرخ و نحلل و كأننا اكتشفنا امرا جديدا لم يكن احد يفكر بوضعه في رؤوسنا، و كأن معاوية (الداهية) كان عاجزا عن القيام بما قام به يزيد بعد ذلك، لانه كان ذا حريجة في الدين، و كانت الرحمة و التسامح من طبائعه، و قد ترك المهمة ليزيد، قائلا فماذا افعل اذا ما جاء شخص مثل يزيد و لم يتحمل تصرفاته و قتله؟ من سيكون المخطي ء منا:

انا أم الحسين ام يزيد؟ اما هو فسيبرأ، و هذا ما قام به جماعة من المؤرخين و من اعادوا كتابة التاريخ، و اما يزيد، فقد كان ما قام به امرا طبيعيا يلجأ اليه كل من يتعرض من امثاله الي معارض أو ثائر عليه، اما المخطي ء هنا علي حد الزعم الاموي فهو الحسين عليه السلام.

أما لماذا كان مخطئا؟ هل لأن يزيد كان من ينبغي ان يكون في موقع خلافة المسلمين؟ و اذ لا يستطيع احد ان يقوم نعم، فان خطأ الحسين هنا اصبح خطأ سياسيا و ليس خطأ عقائديا بنظر هؤلاء، و كان ينبغي ان يعد للامر عدته و يتسلح بالقوة الكافية التي تتيح له القضاء علي عدوه، و اذا ما كان لا يملك مثل تلك القوة فعليه بالقعود و التخلي عن فكرة تنحية يزيد،

و من هنا كانت تلك الكتابات الملتوبة التي اشارت الي خطأ الحسين عليه السلام المزعوم لأنه لم يكن مسلحا و قويا بما فيه الكفاية للتصدي ليزيد، بعد ان لم تستطع ان تشير الي انه كان مخطئا برأيه حول ضرورة ابعاد يزيد، كما فعل ابن خلدون.

و اذ لا يمتلك الآخرون ذكاء و حصافة ابن خلدون، فانهم فهموا كلامه علي غير الوجه الذي جاء به، و تخلوا عن بقية الحياء الذي كان يحيط به عند مناقشة هذه القضية الحساسة، فاعلنوا انحيازهم ليزيد و تخطئتهم للحسين جملة و تفصيلا، و ذهبوا الي اتهامه بالخروج علي الاسلام نفسه، كما فعل اعوان يزيد من المعاصرين له، و بعض المعاصرين لنا ايضا.

و لو ان هؤلاء قد اتيحت لهم فرصة المشاركة بالحملة التي جردت لقتل الامام


الحسين عليه السلام و أصحابه في موقعة الطف، لكانوا قد تولوا هم مهمة ذبحه بدلا عن الذين فعلوا ذلك.

ان المتمعن باجوبة الامام الحسين عليه السلام لمن حثه علي عدم الخروج الي العراق و البقاء في مكة أو الرجوع الي المدينة أو الذهاب الي مكان ناء كشعاب اليمن يجد انها تنص علي جملة امور:

الاول: يدلل علي انه لا يجد سبيلا لمبايعة يزيد و وضع يده في يده، و أن هذا الامر مستحيل للاسباب التي ذكرها و تحدثنا عنها في السابق.

الثاني: يدلل علي أن موقفه هذا يعرضه للخطر في كل الاحوال سواء بقي في مكة أو المدينة، أو ذهب الي اليمن أو العراق أو غيرهما، بل لعل تعرضه للخطر في مكة و المدينة اكثر احتمالا من تعرضه للخطر في غيرهما، و ربما قتل في مكة قبل ان يعلن موقفه المناوي ء للدولة الاموية امام الامة، و بهذا فان دمه سيضيع حقا دون ان يتمكن من اشعار الامة بدوافعه الحقيقية من وراء الثورة، و ستضيع القضية كلها بفعل الجهود الاموية، و قد لا يتاح للامة قائد آخر يقدم علي ما اقدم عليه و يتمتع بنفس المنزلة و المكانة منها، ليعيدها الي مستوي الرسالة التي قدر لها ان تحملها و تدين بها.

الثالث: و مادام يتعرض لخطر الموت في النهاية و هو امر وضعه في حساباته دائما و هو يواجه السلطة المتجبرة، فلماذا لا يكون ذلك هو الثمن المناسب للمهمة الكبيرة التي كان مقدما عليها، و هي انقاذ الامة من شرور النظام الفاسد و لفت نظرها الي الواقع المتردي التي جرت اليه بفعل الحملات المنظمة المدروسة و الدؤوبة من قبل معاوية، لكي تتخلص بالتالي من ذلك الواقع و تعود الي مواقفها السابقة القوية.

و لعله لم ير في ذلك مجرد تضحية يعاني فيها و يتألم، بقدر ما رأي فيها سعادة بالغة، كما دلت عليه أقواله و مواقفه بعد ذلك و هو يعيش أيامه و لحظاته الأخيرة علي هذه الأرض.

الرابع: انه واثق من النهج و الاسلوب الذي اتبعه، و لم يساوره ادني شك بوضوح و سلامة المهمة التي اخذ علي عاتقه القيام لها، و النتائج العظيمة التي لابد ان تتمخض عنها في النهاية، سواء علي المدي القريب و بعد سنوات قليلة من استشهاده، أو علي المدي البعيد، طوال السنوات التي ستلي تلك، و ربما بعد مئات من السنين.


الخامس: أن اصراره المسبق لرفض الحكم الاموي، ربما جعله يضع نقطة البداية للثورة عليه، و ربما حدد تلك النقطة عند موت معاوية، اذ سيكون ذلك هو الوقت المناسب للقيام بفعل مناسب، أو بعمل ما، و عدم الاكتفاء برفض البيعة أو السكوت و القعود و الانزواء، و في غمرة الذهول الذي يرافق موت معاوية و زوال سلطانه و اضوائه و ابهته و تأثيراته و سحره، قد يكون لثورته فعل ايجابي مؤثر يجعل الامة تنتبه بعد سباتها بتأثير الاسطورة الاموية و الخطر الاموي تحت ظل معاوية، بعد ان لن يعود يزيد متمتعا برعايته و حمايته و حزمه و مكره، و قد تكون تلك الفرصة هي انسب الفرص للاطاحة به.

و هكذا لم يشأ الحسين عليه السلام ان يعلن صراحة ما فكر فيه لاولئك الذين قد لا يفهمون دوافعه اذا ما اعلنها عليهم، غير ان الذي لمسوه منه هو قناعته باهمية المهمة التي كان يؤديها و دوره هو فيها، و تلهفه علي انجازها في الوقت المناسب و في ساعة الصفر التي حددها لها، و هذا ما سنري مزيدا من الادلة عليه.



پاورقي

[1] ابن‏الاثير 409 / 3، و ابن‏کثير 175 / 8، و الطبري 307 / 3.