بازگشت

الامام الحسين يريد السير بالأمة بسيرة أبيه وجده


و من الطبيعي ان يتبني الامام الحسين عليه السلام نفس نظرة والده و اخيه في عمله التربوي مع الامة، و أن يسعي الي ما سعيا اليه من قبل، لقد كان يريد لتلك الجذوة التي أججها أميرالمؤمنين عليه السلام في نفس الطليعة المؤمنة ان لا تخبو، و مثلما لم يكن والده و أخوه عليه السلام من قبل متلهفين علي استلام الحكم باعتباره مطمحا شخصيا او مغنما خاصا، فان الحسين عليه السلام لم يكن له بالتأكيد تلك الله فة علي الحكم و السلطان التي قد يتصورها البعض، بايحاء مضلل كما قلنا، و يعتقدون انها السبب الحقيقي وراء ذهابه عليه السلام الي العراق.

و قد رأينا الملابسات التي ادت الي هذا الخروج من المدينة اولا، ثم من مكة بعد ذلك، اذ لم يترك له اعوان السلطة الفرصة، مما جعله يعلن هدفه بوضوح امام الامة كلها. لقد كان يرفض مبايعة يزيد بأي حال من الاحوال و تحت اي ظرف من الظروف، اذ انه لو فعل ذلك و استسلم و ساوم، لكان بذلك قد خيب امل الامة كلها، تلك الامة التي كانت تنحدر و تستسلم و تتساقط أمام يزيد، و لم يكن ينقصها، لكي تتم مأساة سقوطها و انحدارها الا ان يتباعها من كان محط آمالها، لكي تظل في سقوطها الي الابد، و لا تعود الي ما كانت عليه ثانية، بل لا تفكر بالقيام اصلا، و ستحمله شخصيا مسؤولية سقوطها أمامها و امام الاجيال اللاحقة، انه بذلك يقضي نهائيا علي كل امل لها بالاسلام.

هذا ما كان يراه، و عبر عنه بوضوح بعد ذلك، عندما حوصر و أيقن بالقتل و الاستئصال.

لقد كان هذا امرا غير قابل للمساومة، و هو ما لم يفعله كما لم يفعله والده عليه السلام من قبل، اذ ماهي حجته امام الامة، و يزيد مكشوف، ظاهر يعلن فسوقه و تهتكه علي رؤوس الاشهاد، و لا يكلف نفسه عناء التستر و التخفي امامها كما كان يفعل ابوه و بعض اصحابه؟

و هنا لابد لنا من القول:

لو كان الامام الحسن عليه السلام في موقف الحسين عليه السلام امام يزيد، لفعل الذي فعله بالتأكيد، و ما كان ليتنازل و يبايعه لنفس الاسباب التي عرفها الحسين عليه السلام و عرفتها الامة كلها، لكنه أمام معاوية الماهر الداهية الذي تظاهر بما لم يستطع يزيد


التظاهر به، و الذي امتلك قدرا من المكر و القوة مكنه من الوقوف بوجه أميرالمؤمنين عليه السلام، رغم الفارق الواضح بينهما و الذي تعرفه الامة كلها، رأي ان يحقن دماء المسلمين و يحفظ الاسلام من اكبر نكسة قد يتعرض لها علي الاطلاق في تاريخه.

كان الحسين عليه السلام يدرك أن لرفضه البيعة ثمنا غاليا قد يكلفه حياته، و كان يدرك ان الامر لن يصير اليه علي الاغلب، و انه لن يلي منصب الخلافة، و قد حذره كثيرون من التوجه الي العراق، فماذا كان بوسعه ان يفعل بدلا من ذلك؟

هل يظل في المدينة أو في مكة أو يذهب الي مصر أو اليمن أو الهند؟ و كان في كل هذه الاماكن سيتعرض فيها الي خطر الموت المحقق، أو النسيان المطبق، و لعل شعاب اليمن ستبدو بنظر الكثيرين اكثر امانا له، غير انه سيحاصر هناك، و لن يتمكن من اعلان رفضه للدولة اليزيدية، امام الامة و امام اسماعها و ابصارها، و لن يتمكن من توضيح الغرض الرئيسي لرفضه مبايعة يزيد، و ربما سيظل هناك سنوات طوال الي ان يتوفاه الله و تنسي القضية كلها في ظل الاحداث و المتغيرات و الدعايات الاموية، و ربما اعتبر ذهابه الي هناك مجرد هروب من السلطة سيفقد اهميته امام الامة بمرور الزمن.

أنه بسبيل تسجيل موقف واضح، موقف عظيم التأثير، يلوح امام ضمير الامة اثرا دائميا و علامة دائمة الاشراق، ان احتجاجه ينبغي ان يؤدي الي ان تحتج الامة كلها في نهاية المطاف، و ادراكه لخطورة ان يتولي امثال يزيد قيادة شؤون المسلمين، يجعل الجميع يدركون ان ممثل الاسلام الحقيقي، و ممثل استقامته و وضوحه و قيادته الشرعية المؤهلة المعدة من قبل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، يقف مقابل ممثل الطاغوت و ظلمه و انحرافه، انه يريد وضع حد لهذا الانحراف و ضمان عدم استمراره أو تكراره في المستقبل.

و هي مهمة ضخمة لا تتم بمجرد اعلان عدم البيعة، أو الاحتجاج عليها، و الهروب بعد ذلك الي مكان بعيد، انما بفعل ارادي حاسم يظل أثره واضحا و قويا و مؤثرا في ضمير الامة.

و لن نستبق الاحداث، غير اننا ينبغي ان لا نحكم عليها الا بالعقلية الاسلامية، و لا ننظر اليها الا من خلال رؤية الاسلام، كما فعل الامام الحسين عليه السلام.