بازگشت

تجربة الامامين علي و الحسن مع العراقيين


لقد كانت تجربة أميرالمؤمنين، و من بعده الامام الحسن عليه السلام مع العراقيين مريرة و قاسية، و قد انتهت و قد انتهت باغتيالهما بعد ذلك، و قد شهدا تخلي مجموعات كبيرة من المسلمين عنها و عن خطهما في العمل و الجهاد.

و كان غرض أميرالمؤمنين عليه السلام عند انتقاله من المدينة الي الكوفة، تكوين طليعة عقائدية تتبني موقفه و اراءه و تسير خلفه لتقويم عموم المجتمع الاسلامي، الذي كان قد بدأ ينحرف بشكل واضح قبل استلامه الخلافة، و قد كان عليه السلام يعلم ان له رصيدا عاطفيا كبيرا في مجتمع العراق، اراد ان يحوله الي رصيد عقائدي، و اراد ان يحول اهل العراق الي طليعة مقاتله تسير معه لا عادة تشييد ما تهدم من اركان الدولة الاسلامية، و ابعاد كل القوي الطارئه التي ظهرت علي الساحة، و تسترت بالاسلام، و خصوصا القوة الاموية التي تزعمها معاوية في الشام، و كون منها جيشا كبيرا، يري ما يراه، و يسير و راءه بولاء مطلق و حماس كبير دون اي سؤال بحجة الثأر لعثمان في البداية.


(و كان شعب العراق، و ابناء العراق مرتبطين، روحيا و عاطفيا مع الامام عليه السلام، ولكن لم يكن شعب العراق و لا و ابناء العراق يعون رسالة علي عليه السلام وعيا حقيقيا كاملا، و لهذا كان الامام بحاجة الي ان يبني تلك الطليعة العقائدية، ذلك الجيش العقائدي الذي يكون امينا علي الرسالة، و امينا علي الاهداف، و ساعدا له و منطلقا بالنسبة الي ترسيخ هذه الاهداف في كل ارجاء العالم الاسلامي). [1] .

فلم تكن مهمة أميرالمؤمنين عليه السلام اذا مهمة موقتة يمهد فيها لاستقرار حكمه و بسط سلطانه و التمهيد لحكم اجيال من بنيه، هكذا، بدون ضوابط كما يفعل معاوية و ينتهي الامر، و انما كانت مهمته ان تراه الاجيال اللاحقة، ان تدرس اسلويه في الحياة و في الحكم، و تعيش دوره و تتفاعل معه، و تتحيز له بوعي كما تحيزت لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، علي اساس الاسلام.

كان اميرالمؤمنين عليه السلام يشعر باستمرار ان المسألة بالنسبة اليه ليست مسألة حكمه هو، أو حكم احد غيره، بقدر ما هي حكم الاسلام، و قد اراد للاسلام ان يحكم منم خلاله، لانه مؤهل لذلك و قادر عليه، و لأنه كان معدا اعدادا خاصا علي يدي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و انه قادر علي امتلاك التصور الاسلامي و النظرة الاسلامية الصحيحة، و كان يعد لكي ينتشر هذا التصور الاسلامي الصحيح لدي المسلمين من خلال طليعة مؤهلة لذلك في البداية يربيها و ينشئها و يقومها بنفسه، علي غرار الطليعة التي رباها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و اعدها لكي تتفاني في سبيل الاسلام.

و كان يشعر ان الحكم ربما زوي عنه، و قد زوي عنه مدة طويلة بالفعل، مدة كانت كافية لبذر بذور الانحراف و نموها في تربة الاسلام، و ربما زوي بعد ذلك عن اولاده من بعده، و قد ارادهم الا يتأثروا لذلك أو ينزعجوا، و لا يعتبروا المسألة مسألة شخصية، و ان يكون تأثرهم و تصرفهم علي اساس مصلحة الاسلام وحده. فاذا ما مس هذا الدين، أو حاول احد ان ينحرف به، فان مهمتهم هنا لا تكون مهمة المتفرج، بل المحافظ علي هذا الدين، و لو اقتضي الامر بذل انفسهم و مصالحهم الشخصية في سبيل ذلك.


و اراد أميرالمؤمنين عليه السلام تأجيج التيارات العاطفية النفسية لصالح الاسلام، و استثمارها لتنمية الوعي و الشعور بالمسؤولية، و الانتماء الحقيقي للاسلام بعد ذلك. و اذ لم تتح له الفرصة الكافية لانجاز هذه المهمة في حياته، و استشهد تاركا الناس يتخبطون في خضم التيارات المتصارعة العديدة، و منها التيار الاموي القوي، الذي استقطب جماعات كبيرة من المسلمين بفعل عوامل و تأثيرات و مغريات عديدة، و جعل من القوة الخاصة التي اعدت و ربيت منذ البداية علي يد معاوية، و هم أهل الشام في الصدارة.

ان اعداء أميرالمؤمنين عليه السلام لم يقفوا مكتوفي الايدي خلال كل فترات الصراع المفتعلة، و حتي بعد استشهاده، فحاولوا ان يثيروا الشكوك بوجهه و حوله و حول موافقه من بعض الاشخاص مثل معاوية، الذي كان يبدو مقبولا من قبل الخلفاء السابقين، و الذي استمال قطاعات واسعة من الامة باساليبه الدنيوية الأرضية البحتة، التي لم تتطلع يوما، الي قيم السماء و رسالة الاسلام، و بالرغم من انه لم يكن يوجد اي مبرر موضوعي للشك.

(و بالرغم من ان المبرر الوحيد للشك كان مبررا ذاتيا، و بالرغم من هذا، استفحل هذا الشك و قرر، و امتحن هذا الامام العظيم عليه السلام بهذا الشك، و مات و استشهد و الامة شاكة، ثم استسلمت الامة بعد هذا و تحولت الي كتلة هامدة بين يدي الامام الحسن عليه السلام. [2] .

و قد ظهرت بوادر هذا الشك بالتردد الذي اظهرته، و بالتكاسل عن الخروج معه وخصوصا من قبل أهل العراق، الذين عاش بين ظهرانيهم و أراد ان تكون الطليعة العقائدية منهم، و قد تحدثنا فيما سبق عن بعض الاسباب التي أثرت عليهم و جعلتهم يسيرون بهذا الاتجاه، و منها الحروب التي خاضوها مع الامام عليه السلام في اماكن بعيدة عن سكنهم، و الخسائر التي منوا بها و ظهور الخوارج بين اوساطهم بفعل بعض العناصر المعادية لاميرالمؤمنين عليه السلام، و التي تميل لاسلوب معاوية في الحياة، و التي عبثت بشكل خفي بمجتمع الكوفة، و ارجفت و بثت الاشاعات، و ساومت


بشكل خفي رسل معاوية، و الذين لم يلجأ معهم أميرالمؤمنين عليه السلام الي ما كان يلجأ اليه غيره عادة، اذا ما تعرض الي نفس الموقف، و انما كان يتعامل بما كان تفرضه عليه احكام الشريعة الاسلامية، دون التعامل بالظن أو الشك، و لا شك ان تحرج الامام و عدالته كانت حافزا لاعدائه بالتمادي، و قد ادرك معاوية ذلك فاستغله ابشع استغلال.

و كانت تبدو علي اجواء المجتمع الاسلامي في الكوفة فترات صحو و يقظة، غير انها كانت قصيرة، و لم تتح لها قيادة مؤهلة بغيابه لكي تجمعها و تعدها كما اراد الامام عليه السلام من قبل، و كان يريد لتلك الفترات ان تطول، بل و تستمر لكي تثوب الامة الي رشدها، و تعود بشكل نهائي و تام الي الاسلام.

فهو (لم يكن يتعامل مع الفترة الزمنية القصيرة التي عاشها فقط، و انما كان يحمل هدفا اكبر من ذلك، أميرالمؤمنين عليه السلام كان يحس بانه قد ادرك المريض و هو في آخر مرضه، قد ادركه حيث لا ينفع العلاج، ولكنه كان يفكر في ابعاد اطول و اوسع للمعركة). [3] .

و قد كان من المتيقن ان يستمر الامام الحسن عليه السلام لتحقيق نفس هدف ابيه أميرالمؤمنين عليه السلام، و لم يكن تركه المنصب الرسمي للخلافة، و صلحه مع معاوية مع انه اراد به حقن دماء المسلمين و منع استئصال الصفوة المقربة منه و استئصاله و آل بيته، الا محاولة جادة لكشف معاوية بعد ان ينفرد بالسلطة و يحكم باسم الاسلام بنمط غير اسلامي، و الا احتجاج علي الامة، التي تخلت عنه و استسلمت لمعاوية و تنازلت عن كرامت ها و دينها به شكل مهين.

و قد رأينا الظروف التي تم فيها الصلح، و كيف انه جعل قطاعات واسعة من الامة تفكر بموقفها و تعيد النظر بتصرفاتها،و تندم علي تخليها عن رسالتها و تعاود محاولاتها للنهوض بوجه معاوية، و قد رأينا كيف راسلت مجموعات من أهل العراق الامام الحسين عليه السلام في عهد معاوية داعية اياه للنهوض بهم، و انهم سينهضون خلفه، و يقاتلون تحت رايته.



پاورقي

[1] أهل البيت ص 9 الشهيد الصدر.

[2] المصدر السابق ص 12 / 11.

[3] المصدر السابق.