بازگشت

تمهيد


كان موقف الحسين عليه السلام كما رأينا في مكة صعبا، فما كان ليسمح له بالبقاء حرا طليقا و هو علي موقفه الرافض المعلن ليزيد و الحكم الاموي، و كان سيقتل حتما، حتي ولو كان عائدا بالبيت الحرام، و جرت الترتيبات فعلا لقتله و اغتياله هناك.

و قد أرتنا الاحداث بعد ذلك كيف ان الامويين لم يروا حرمة لهذا البيت، الذي حاصروه ايام يزيد و رموه بالمنجنيق، و في زمن عبدالملك بن مروان ايضا لما قتلوا فيه ابن الزبير.

و من الطريف ان مروان (كما قيل، قد اشار علي عمرو بن سعيد بحضور عمر بن الزبير احد اعوان الدولة الاموية ان لا يغزو مكة، و قال:

(لا تغز مكة و اتق الله و لا تحل حرمة البيت، فقال عمرو بن الزبير، و كان عدوا لاخيه: والله لنقاتلنه و لنغزونه في جوف الكعبة علي رغم انف من رغم). [1] .

و قد غزوها فعلا، و قد رماها يزيد بمسلم بن عقبة المري، الذي استباح مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و استخلف بعد ذلك حصين بن نمير السكوني، و امره بحصار مكة،


و قد حاصرها فعلا قرابة ثلاثة اشهر، و رمي البيت بالمنجنيق، و احرق الكعبة عام اربع و ستين، الي ان جاءه خبر هلاك يزيد.

فليست لمكة اذا حرمة عند الامويين، و كان بقاء الحسين عليه السلام فيها سيعرضه لخطر الموت الأكيد [2] ، و لم يكن امامه سوي الخروج عنها. فاما الي اين؟ فقد علمنا انه قصد العراق. و هذا ما يجب ان نعلم الدافع اليه، و نعلم لماذا كان هذا الامر هو القرار الصائب الذي كان لابد ان يتخذه عليه السلام، رغم انه قد يتعرض هناك لما قد يتعرض له من خطر في المدينة أو مكة.

و اذا ما تابعنا تسلسل الحوادث، استبانت لنا نظرته الصائبة في عزمه المسير الي العراق.


پاورقي

[1] الطبري 192 / 6 و قد حدث ابوالعباس المبرد (عن عائشة عن حماد بن سلمة في اسناد ذکره، ان عبد الملک کان له صديق و کان من أهل الکتاب يقال له يوسف فأسلم، فقال له عبد الملک يوما و هو في عنفوان نسکه، و قد مضت جيوش يزيد بن معاوية مع مسلم بن عقبة المري، من مرة غطفان يريد المدينة: الا تري خيل عدو الله قاصدة لحرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقال له يوسف: جيشک و الله الي حرم الله اعظم من جيشه، فنفض عبد الملک ثوبه ثم قال: معاذ الله. قال له يوسف: ما قلت شاکا و لا مرتابا و اني لاجد بجميع اوصافک). الکامل للمبرد / دار الفکر 131 / 130 / 3 و قد کان الامر فعلا کذلک عندما غزي الحجاج الکعبة بأمر من عبد الملک بن مروان عام 73، و ارتکب هناک افعالا و فظائع منکرة مما ذکرها التاريخ لنا بأسهاب... و راجع کذلک تاريخ الخلفاء للسيوطي 202.

[2] و فعلا حاول اعوان عمرو بن سعيد عامل يزيد في مکة احتجاز الامام و اجباره علي البقاء فيها. يراجع الطبري 218 / 6 و العقد الفريد 5 / 118. و کان الحسين عليه‏السلام يدرک حساسية موقفه في ايامه الاخيرة في مکة و قد اجاب الفرزدق عندما سأله: (ما اعجلک عن الحج؟ فقال: لو لم اعجل لأخذت) الطبري 218 / 6، و ابن‏کثير 167 / 8.